شباب من [ 588 ] همدان ، وكانت همدان يومئذ ثمانمائة مقاتل . فانهزموا آخر الناس ، وكانوا صبروا في الميمنة ، حتى أصيب منهم مائة وثمانون رجلا ، وقتل منهم أحد عشر رئيسا يتتابعون على الراية . فمرّوا بالأشتر وهم يقولون : - « ليت لنا عدّتنا من العرب يحالفوننا على الموت ، ثم نستقدم نحن وهم ، فلا ننصرف حتى نقتل أو نظهر . » فقال لهم الأشتر : « إلىّ ، أنا أخالفكم وأعاقدكم على أن لا نرجع أبدا حتى نظفر أو نهلك . » فأتوه ، فوقفوا معه ، وزحف الأشتر ، وثاب [1] إليه الناس ، وأخذ لا يصمد لكتيبة إلَّا كشفها ، وبيده صفيحة يمانية إذا طأطأها خلت فيها ماء منصبّا ، وإذا رفعها كاد يغشى البصر شعاعها ، وجعل يضرب بسيفه ويقول : - « الغمرات [2] ثم ينجلينا . » فبصر به الحارث بن جهمان والأشتر مقنّع في الحديد ، فلم يعرفه . فدنا منه وقال : - « جزاك الله خيرا منذ اليوم عن أمير المؤمنين وجماعة المسلمين . » فعرفه الأشتر فقال : « يا ابن جهمان ، إنّ مثلك لا يتخلَّف عن مثل مواطنى هذا [ الذي أنا فيه ] [3] . » فعرفه ابن جهمان لما تكلَّم ، وكان من أعظم الرجال وأطولهم ، فقال له : - « جعلت فداك ، لا والله ، ما علمت بمكانك إلَّا الساعة [ 589 ] ولا أفارقك حتى الموت . » ورآه منقذ وحمير ابنا قيس الناعطيّان .
[1] . مط : وباءت . [2] . « الغمرات » مرفوعة في الطبري ( 6 : 3297 ) ومنصوبة في الأصل . [3] . تكملة من الطبري ( 6 : 3297 ) .