ونادت عائشة من هودجها بصوت عال فيه كسرة [1] : - « إيه ، للَّه أنتم . جالدوا جلادا يتفادى منه ، بخّ بخّ ، سيوف أبطحية ، وسيوف قرشية . » ونادت بنو ضبّة : « ويها جمرة الجمرات . » وأحدقوا بجملها حتى أسرع فيهم القتل ورقّوا . وكانت عائشة تقول : - « ما زال رأس الجمل معتدلا حتى قتلت بنو ضبّة حولي . » وضربوا ضربا ليس بالتقدير ، حتى إذا كثر القتلى وظهر في العسكر التطريف كره بعضهم بعضا ، وارتدّت [ 556 ] المجنّبتان ، فصارتا في القلب . ثم تلاقوا جميعا بقلبيهم . فأخذ ابن يثربى برأس الجمل ، وارتجز وادّعى قتل علباء بن الهيثم ، وزيد بن صوحان ، وهند بن عمرو ، فقال : < شعر > أنا لمن ينكرنى ابن يثربى قاتل علباء وهند الجمل وزيد صوحان على دين علىّ < / شعر > فناداه عمار : « لقد لذت بحريز وما إليك من سبيل ، فإن كنت صادقا فأخرج من هذه الكتيبة إلىّ . » فترك الزمام ، وبرز حتى كان بين صفّ عائشة وصفّ علىّ ، وأقبل إليه عمار ، وهو يومئذ ابن تسعين سنة وقد شدّ وسطه بحبل ، وعليه فرو . فضربه ابن يثربى فنحا [2] له درقته ، فنشب السيف فيها ، وأسفّ عمار لرجليه ، فضربه فقطعما ، فوقع على استه ، وحماه [3] أصحابه فارتثّ [4] بعد ، فأتى به علىّ بن أبي طالب . فقال :
[1] . مط : كدرة . [2] . في الطبري : فنحنى له درقته ( 6 : 3199 ) . والدرقة : الترس إذا كان من جلد . في رواية أخرى من الطبري : فاتقاه عمار بدرقته ( 6 : 3196 ) . [3] . في الطبري : وحمله أصحابه ( 6 : 3197 ) . [4] . حمل من المعركة رثيثا أي جريحا .