ورجع إلى منزله . ثمّ إنّ عليّا جاءه ، فقال له : - « تكلَّم كلاما يسمعه الناس عامّة ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع والإنابة ، فإنّ البلاد قد تمخّضت عليك ، فلا آمن ركبا آخر يقدمون من الكوفة أو البصرة ، فتقول لي : اركب إليهم ، فلا أركب ، ولا أسمع لك عذرا ، وتراني قد قطعت رحمك واستخففت بحقّك . » فخرج عثمان ، فخطب الخطبة المشهورة التي يقول فيها : - « إني نزعت وتبت مما فعلت ، إذ التوبة خير من التمادي في الهلكة ، والله أيها الناس ، لئن ردّنى الحق عبدا ، لأذلَّنّ ذلّ العبد ، ولأكوننّ كالمرقوق الذي إن ملك صبر ، وإن عتق شكر . فليأتنى وجوهكم . فواللَّه لأنزلنّ عند رأيكم ، ولأنتهينّ إلى حكمكم . » فرقّ له الناس وبكى من بكى منهم ، وعلت الأصوات بالنشيج . فقال له سعيد بن زيد : « اتقّ الله [ 497 ] يا أمير المؤمنين في نفسك ، وأتمم على ما قلت . » فلما نزل عثمان وجد في منزله مروان ، وسعدا ، ونفرا من بنى أميّة لم يشهدوا الخطبة . قال مروان : « يا أمير المؤمنين ، أتكلَّم ، أم أصمت ؟ » فقال بعض أهله : « لا ، بل اصمت ، فأنتم والله قاتلوه ، إنّه قال مقالة مشهورة لا ينبغي أن ينزع عنها . » فأقبل عليها [1] مروان بكلام قبيح إلى أن سكّتها عثمان . ثم قال مروان : « أتكلَّم ، أم أصمت ؟ »