ثم أجمع رأى الناس على أن يبعثوا إلى عثمان رجلا يكلَّمه ويخبره بأحداثه . فأرسلوا إليه عامر بن عبد القيس التيمي ، وكان يعدّ من النسّاك . فأتاه فدخل عليه فقال : - « إنّ ناسا من المسلمين اجتمعوا ونظروا في أعمالك ، فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما ، فاتق الله ، وتب إليه ، وانزع عنها . » فقال عثمان : « انظروا إلى هذا ، فإنّ الناس يزعمون أنه قارئ ، ثم يجئ فيكلَّمنى في المحقّرات [1] ويزعم أنها عظائم ، فواللَّه ما يدرى أين الله . » قال عامر : « أنا لا أدرى أين الله ؟ » قال : « نعم ، والله لا تدرى أين الله . » قال عامر : « بلى والله ، إني لأدرى أنّ الله لك لبالمرصاد . » فأرسل عثمان إلى معاوية [ 475 ] بن أبي سفيان ، وإلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وإلى سعيد بن العاص ، وإلى عمرو بن العاص وأمثالهم ، فجمعهم يشاورهم ويخبرهم بما بلغ منه . فلما اجتمعوا عنده قال : - « إنّ لكل امرئ وزراء نصحاء ، وإنّكم وزرائى ونصحائى وأهل ثقتي ، وقد صنع الناس ما رأيتم ، وطلبوا إلىّ أن أعزل عمّالى وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبّون . فاجتهدوا لي رأيكم ثم أشيروا علىّ . » فقال عبد الله بن عامر : - « رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك ، وأن تجمّرهم في المغازي حتى يذلَّوا لك ، فلا تكون همّة أحدهم إلَّا نفسه ، وما هو فيه من دبر دابّته وقمل فروته . » ثم أقبل على سعيد بن العاص فقال : « ما رأيك ؟ »