وخرج المشركون من بلخ حتّى نزلوا على الأحنف مرو الرّوذ . وكان الأحنف حين بلغه عبور خاقان نهر بلخ غازيا له ، خرج في عسكره ليلا يتسمّع : هل يسمع برأي ينتفع به ؟ فلمّا خرج مرّ برجلين ينقّيان علفا ، إمّا تبنا ، وإمّا شعيرا ، وأحدهما يقول لصاحبه : - « الرأي للأمير أن يلقى العدوّ حيث لقيهم أوّلا ، فإنّه أرعب لهم . » فقال له صاحبه : - « أخطأت الرأي ، إن لقى العدوّ مصحرا في بلادهم لقى جمعا كثيرا بعدد قليل ، فإن جالوا جولة اصطلمونا . ولكنّ الرأي للأمير أن يسندنا إلى هذا الجبل ، ليكون النهر بيننا وبين عدونا خندقا ، وكان الجبل في ظهورنا ، نأمن أن نؤتى من خلفنا ، وكان قتالنا من وجه واحد ، [ و ] [1] رجونا أن ينصرنا الله . » فرجع ، واجتزأ بها . وذلك في ليلة مظلمة . فلما أصبح جمع الناس ، ثم قال : - « إنكم قليل ، وعدوّكم كثير ، فلا يهولنّكم : ف كَمْ من فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله ، والله مَعَ الصَّابِرِينَ 2 : 249 [2] . ارتحلوا من مكانكم ، فاستندوا إلى هذا الجبل ، فاجعلوه [ 447 ] في ظهوركم ، واجعلوا النهر بينكم وبين عدوكم ، وقاتلوه من وجه واحد . » ففعلوا ، وقد أعدوا ما يصلحهم في عشرة آلاف من أهل البصرة ، وأهل الكوفة نحو منهم . وأقبلت الترك ومن اجتلبت من الصغد وغيرهم حتى نزلوا بهم . فكانوا يغادونهم ويراوحونهم ويتنحّون عنهم بالليل ما شاء الله . وطلب الأحنف علم مكانهم بالليل . فخرج ليلة بعد ما علم علمهم طليعة لأصحابه حتى كان قريبا من عسكر خاقان ، فوقف . فلما كان في وجه الصبح خرج فارس الترك بطوقه ، وضرب بطبله ، ووقف من العسكر موقفا يقفه مثله .