فقال النعمان : « اعبروا » . وكانوا قد انتهوا إلى الإسبيذهان وهم وقوف دون وادي خرد على تعبيتهم ، وأمرهم إلى الفيرزان ، وقد جعل بهمن جاذويه مكان ذي الحاجب ، فهو على مجنبته ، وقد توافى إليه كلّ من غاب عن القادسية والأيّام من أهل الثغور ، وأمرائها ، وأعلامهم . وأنشب النعمان بعد ما حطَّ الأثقال وضرب الفسطاط القتال ، فاقتتلوا يوم الأربعاء ويوم الخميس وهم كأنّهم جبال الحديد ، وقد تواثقوا ألَّا يفرّوا من العرب وألقوا حسك الحديد خلفهم وقالوا : من فرّ منّا عقره حسك [1] الحديد . فقال المغيرة حين رأى كثرتهم : - « لم أر كاليوم فشلا ، إن عدوّنا يتركون يتأهّبون لا يعجلون ، أم والله لو أنّ الأمر إلىّ لأعجلتهم » . وكان النعمان رجلا ليّنا ، فقال : - « قد كان الله يشهدك أمثالها ، فلا يخزيك . إنّه والله ما منعني من المناجزة إلَّا شيء شهدته [ 427 ] من رسول الله - صلى الله عليه - إذا غزا فلم يقاتل أول النهار ، ولم يعجل حتى تحضر الصلاة وتهبّ الأرواح ويطيب القتال ، فما منعني إلَّا ذلك . اللهمّ إنّى أسألك أن تقرّ عيني بفتح يكون فيه عزّ الإسلام وذلّ الكفار ، ثمّ اقبضنى إليك على الشهادة . ائمنوا [2] يرحمكم الله . » فأمنّا وبكينا . ثمّ أقدم بعد الصلاة للقتال . قال : ولمّا كان يوم الجمعة انجحروا [3] في خنادقهم ، وذلك لما رأوا صبرنا أنّا لا نبرح العرصة فصبروا معنا . ثمّ إنّهم لم يصبروا ، فحصرهم المسلمون ، فأقاموا عليهم ما شاء الله ، والفرس بالخيار لا يخرجون إلَّا إذا أرادوا . فاشتدّ ذلك على
[1] . الحسك : الشوك . [2] . في الأصل : أمنوا . وفي مط : وأمنوا . [3] . من قولهم : انجحر الضبّ أو السبع : دخل جحره .