قال : « فالزموا الصمت وائتمروا [1] همسا . » فدنوا من المسلمين وجاؤهم من قبل نهر بنى سليم اليوم . فلما دنوا زحفوا ، وركب المثنى فرسه الشموس ، وكان لا يركبه إلَّا إذا قاتل . ودعى الشموس [2] للين عريكته وطهارته . فوقف على الرايات يحضّهم ويذكر أحسن ما فيهم ويقول : - « إني أرجو ألَّا يؤتى العرب اليوم من قبلكم ، والله ما يسرّنى اليوم لنفسي شيء إلَّا وهو يسرّنى لعامّتكم . » فيجيبونه بمثل ذلك ، وأنصفهم المثنى بالقول والفعل ، وخلط الناس في المكروه والمحبوب ، فلم يستطع أحد منهم أن يعيب له قولا ولا عملا . ثم قال : - « إني مكبّر ثلاثا ، فتهيّأوا ، ثم احملوا مع الرابعة . » فلما كبّروا أوّل تكبيرة أعجلهم فارس ، فعاجلوهم وخالطوهم مع أوّل تكبيرة . وركدت الحرب مليّا . فرأى المثنى خللا في بعض صفوفه ، فأرسل إليهم : - « الأمير يقرأ [ 343 ] السلام ويقول : لا تفضحوا المسلمين اليوم . » فقالوا : « نعم . » واعتدلوا . وكانوا يرونه قبل ذلك وهو يمدّ بلحيته لما يرى منهم ! فلمّا أعتبوه رأوه يضحك فرحا . فلمّا طال القتال ، نظر المثنى إلى نفر من الثعلبيّين نصارى وفيهم جلَّاب خيل قدموا مع أنس بن هليل . فقال :
[1] . مط : واهتمروا . في الأصل : واتمروا . وفي الطبري ( 4 : 2190 ) : ائتمروا ، كما أثبتناه . [2] . والمعروف أنّ « الشموس » معرّب أصله الفارسي : « چموش » ومعناه في اللغتين : الفرس الذي لا يمكّن أحدا من ظهره ، ولا من الإسراج والإلجام ، ولا يكاد يستقرّ ( حب ، قب ) . فكيف يمكن القول : دعى الشموس « للين عريكته » !