ورامهم ذو الحاجب فلم يقدر عليهم لاعتراض الفرات ، وقطع الجسر . وهلك يومئذ من المسلمين أربعة آلاف من بين قتيل وغريق ، وهرب ألفان ، وبقي مع المثنى ثلاثة آلاف ، فكأنّ الجميع كانوا تسعة آلاف . وجرح المثنى جراحة شديدة ، وأثبت فيه حلق من درعه هتكهنّ الرمح [1] . ولما بلغ عمر ما صنعه أهل المدينة ، وأخبر عمّن سار في البلاد استحياء من الهزيمة اشتدّ عليه ، ورحمهم ، وقال : « اللهم إنّ كلّ مسلم في حلّ منّى ، أنا فئة لكل مسلم ، يرحم الله أبا عبيد ، لو انحاز إلىّ لكنت فئة له . » فبينا ذو الحاجب يروم أن يعبر إلى المسلمين أتاه الخبر باضطراب الفرس . فرجع بعد أن ارفضّ عنه جنده ، وأتاه الخبر أنّ الناس في المدائن ثاروا برستم ، ونقضوا ما بينهم وبينه ، وصاروا فرقتين : الفهلوج على رستم ، وأهل فارس على الفيرزان . [ 339 ] ثمّ إنّ جابان ومردانشاه خرجا حتى أخذا بالطريق وهم يرون أنّهم سيرفضّون ولا يشعرون بما جاء ذا الحاجب من فرقة أهل فارس . وبلغ المثنى فعلة جابان ومردانشاه . فاستخلف على الناس عاصم بن عمرو ، وخرج في جريدة خيل يريدهما وظنّا أنه هارب ، فأخذهما أسيرين ، وخرج أهل أليس [2] على أصحابهما ، فأتوه بهم أسرى ، وعقد المثنى لهم بها ذمّة وقدّمهما وضرب أعناقهما وأعناق الأسرى ، ثم رجع إلى عسكره . وكان جرير بن عبد الله البجلي يسأل قديما في بجيلة أن تلتقط من القبائل ، وكان النبىّ - صلى الله عليه - وعده ذلك ، فلمّا ولى عمر دعاه بالبيّنة ، فأقامها . فكتب له إلى عمّاله في العرب
[1] . انظر الطبري 4 : 2180 . [2] . أليس ، مصغّر على وزن فليس : موضع في أول أرض العراق من ناحية البادية وقيل : قرية من قرى الأنبار وهي بتشديد اللام ( مع ) ، وانظر الطبري ( 4 : 2182 ) .