- « احتوشوا الفيلة وقطَّعوا بطنها [1] ، واقلبوا عنها أهلها . » وواثب هو الفيل الأبيض ، فتعلَّق ببطانه فقطَّعه ، ووقع الذين عليه . وفعل القوم مثل ذلك : فما تركوا فيلا إلَّا حطَّوا رحله وقتلوا [ 337 ] أصحابه . وأهوى الفيل لأبى عبيد ، فنفح مشفره بالسيف ، فاتقاه الفيل بيده ووقع ، فخبطه الفيل . وأخذ اللواء ، الذي كان أمّره بعده . فقاتل الفيل حتى تنحّى عنه ، فاجترّه إلى المسلمين ، وأحرزوا شلوه . ثمّ تجرثم الفيل فاتّقاه بيده ، دأب أبى عبيد ، وخبطه وقام عليه . وتتابع سبعة من ثقيف كلَّهم يأخذ اللواء فيقاتل حتى يموت . ثمّ أخذ اللواء المثنى وهرب عنه الناس . فلما رأى عبد الله بن مرثد الثقفىّ ما يصنع الناس ، بادرهم الجسر ، فقطعه . فلما توافاه الناس تهافتوا في الفرات ، فغرق من لم يصبر ، وقتل من صبر . وهذا الخبر تصديق لدريد حيث قال : « إنّ المنهزم لا يردّه شيء . » ونادى : - « أيّها الناس ! أنا دونكم ، فاعبروا . » وعقد لهم الجسر وقال : - « لا تدهشوا اعبروا على هينتكم ، فإنّا لن ندع الموضع ولن نزايل حتى نراكم من ذاك الجانب . » وأتى بعبد الله بن مرثد ، وكان يمنع الناس من العبور . فضربه المثنى وقال : - « ما حملك على ما فعلت ؟ » قال : « ليقاتلوا . » فلمّا ضمّت السفن ، وعبر الناس كان آخر [ 338 ] من قتل عند الجسر سليط بن قيس . وعبر المثنى ، وحمى جانبه ، واضطرب عسكره ، وارفضّ عنه أهل المدينة ، حتى لحقوا بالمدينة ، وتركها بعضهم فنزلوا البوادي ، وبقي المثنى في قلَّة .
[1] . وفي بعض الأصول : وضنها . والبطن جمع مفرده : البطان : حزام يشدّ على البطن . وأما الوضن فمفرده : الوضين : البطان العريض المنسوج من سيور أو شعر ، وقيل : إنّ الوضين للهودج بمنزلة الحزام للسرج .