هذه الأمم التي سميناها أعنى : من الترك والبربر والزنج والجبال وغيرهم مثل ما أخذنا عن الهند والروم ، لظهور هذه الأخلاق فيهم وغلبتها عليهم . ولم تصلح أمّة قطَّ ولا ملكها على ظهور هذه الأخلاق فيها . وإنّ أول ما أنا ناف وتارك من هذه الأمور ، هذه الأخلاق التي هي أعدى أعداءكم . « أيّها الناس ! إنّ فيما بسط الله علينا بالسلامة والعافية والاستصلاح ، غنى لنا عمّا نطلب بهذه الأخلاق المردية المشؤومة . فاكفوني في ذلك أنفسكم فإنّ قهر هذه الأعداء أحبّ إلىّ وخير لكم من قهر أعدائكم من الترك والروم . فامّا أنا - يا أيّها الناس - فقد طبت نفسا بترك هذه الأمور ومحقها وقمعها ونفيها عنكم ، لا حاجة لي بما فيها ، ولا بالذي علىّ منها ، فطيبوا أنفسا بالذي طبت [ 214 ] به نفسا منكم . « يا أيها الناس ! إنّى قد أحببت أن أنفى عنكم عدوّكم الباطن والظاهر ، فأمّا الظاهر منهما ، فإنّا بحمد الله ونعمته ، قد نفيناه وأعاننا الله عليه وخضد [1] لنا شوكته ، وأحسنتم فيه وأجملتم وآسيتم وأجهدتم . فافعلوا في هذا العدوّ كما فعلتم في ذلك العدوّ ، واعملوا فيه كالذي عملتم في ذلك ، واحفظوا عنى ما أوصيكم به ، فانّى شفيق عليكم ناصح لكم . « أيّها الناس ! من أحيى هذه الأمور فينا ، فقد أفسد بلاءه عندنا بقتاله من كان يقاتلنا من أعدائنا ، فإنّ هذه أكثر مضرّة وأشدّ شوكة وأعظم بليّة وأضر تبعة . اعلموا أنّ خيركم - يا أيّها الناس ! - من
[1] . خضد الشيء : كسره من غير فصل ، خضد الشجر : نزع الشوك عنه .