الشرف والتمكين ، وهذا الثروة والمنزلة . « يا أيّها الناس ! إنّى تفكّرت بعد فراغي من كتابي [1] هذا وما وصفت من نعمة الله علينا في الأمر الذي ، لما غلب « دارا » الملوك والأمم ، وقهرها واستولى على بلادها ، ثم لما لم يحكم أمر هذا العدو ، هلك [ بسببه ] [2] وهلكت جنوده ، بعد السلامة والظفر والنصر والغلبة . وذلك أنّه لم يرض بالأمر الذي تمّ له به الملك ، واشتدّ به له السلطان وقوى به على [ 212 ] الأعداء ، وتمّت عليه به النعمة ، وفاضت عليه من وجوه الدنيا كلَّها الكرامة ، حتى احتيل له بوجوه النميمة : البغي ، فدعا البغي ، والحسد ، فتقوّى به وتمكّن ، ودعا الحسد بعض أهل الفقر لأهل الغنى ، وأهل الخمول لأهل الشرف . ثم أتاهم الإسكندر على ذلك من تفرق الأهواء ، واختلاف الأمور ، وظهور البغضاء ، وقوة العداوة فيما بينهم ، والفساد منهم . ثم ارتفع ذلك إلى أن قتله صاحب حرسه وأمينه على دمه ، للذي شمل قلوب العامّة من الشرّ والضغينة ، وثبت فيها من العداوة والفرقة ، فكفى الإسكندر مؤنة نفسه . وقد اتّعظت بذلك اليوم فذكرته . « يا أيّها الناس ! فلا أسمعنّ في هذه النعمة تفرّقا ولا بغيا ولا حسدا ظاهرا ولا وشاية ولا سعاية ، فإنّ الله قد طهّر من ذلك أخلاقنا وملكنا وأكرم عنه ولايتنا . وما نلت ما نلته - بنعمة ربنا وحمده - بشيء من هذه الأمور الخبيثة التي نفتها العلماء ، وعافتها الحكماء ، ولكنّى نلت هذه الرتب [ 213 ] بالصحّة والسلامة ، والحبّ للرعيّة ، والوفاء والعدل والاستقامة والتؤدة . وإنّما تركنا أن نأخذ عن
[1] . أصبحت الخطبة كتابا بعد تدوينه . [2] . تكملة اقتضاها السياق ، فأضفناها .