ثمّ قام فيهم خطيبا . فذكر الله عزّ وجلّ ، وذكر ما أنعم به عليه وعليهم بآبائه ، وما أقاموا من إربهم ، ونفوا من أعدائهم ، وما اختلّ من أمورهم في الأيّام التي مضت من أيّام صباه ، وأعلمهم : أنّه يستأنف العمل في الذبّ عن البيضة ، وأنّه يقدّر الشخوص [1] إلى بعض الأعداء لمحاربته ، وأنّ عدّة من يشخص معه من المقاتلة ألف رجل . فنهض إليه القوم داعين متشكرين ، وسألوه أن يقيم بموضعه ويوجّه القواد والجنود ليكفوه ما قدّر من الشخوص فيه . فأبى أن يجيبهم إلى المقام . فسألوه الازدياد على العدة التي ذكرها ، فأبى . ثم انتخب ألف فارس من صناديد [ 134 ] جنده وأبطالهم وأغنيائهم ، وتقدّم إليهم في المضىّ لأمره ، ونهاهم عن الإبقاء على العرب وعلى من لقوا منهم ، ووصّاهم ألَّا يعرّجوا [2] على مال ولا غنيمة ولا يلتفتوا إليه . ثم سار بهم ، حتى أوقع بمن انتجع بلاد فارس من العرب وهم غارّون [3] . فقتل منهم أبرح القتل ، وأسر أعنف الأسر ، وهرب بقيّتهم . ثم قطع البحر في أصحابه فورد الخطَّ [4] ، واستبرى بلاد البحرين . فجعل يقتل أهلها ولا يقبل فداء ولا يعرّج على غنيمة . ثم مضى على وجهه ، فورد هجر [5] وبها ناس من تميم وبكر بن وائل وعبد القيس . فسفك فيهم من الدماء سفكا سالت كسيل المطر ، حتى كان الهارب منهم يرى أن لن ينجيه غار ولا جبل ولا بحر ولا جزيرة . ثم عطف إلى بلاد عبد القيس ، فأباد أهلها إلَّا من هرب منهم . فلحق بالرمال ، ثم أتى اليمامة [6] ،
[1] . يقدّر الشخوص : ينوي الخروج . [2] . عرّج : مال . [3] . مط : غازون . الغارّون : الغافلون . [4] . أرض تنسب إليها الرماح ، وهو خطَّ عمان في سيف البحرين ، والسيف كلَّه الخطَّ ، وفيه : القطيف ، والعقير ، وقطر ( مع ) . [5] . هجر : ناحية البحرين ، وقيل : مدينة هي قاعدة البحرين ( مع ) . [6] . اليمامة : بلد كبير فيه قرى وحصون ونخل ، وكان اسمها أولا جوّا ( مع ) .