فلمّا فرغ خالد بن الوليد من هذه الوقعة والصلح ، فتحت الحصون ، فإذا ليس فيها إلَّا النساء والصبيان ! فقال خالد لمجّاعة : - « ويحك ، خدعتني ! » قال : « قومي ، ولم أستطع إلَّا ما صنعت . [1] » ولمّا فرغ خالد من هذه الوقعة أمره [ 307 ] أبو بكر بالمسير إلى العراق ، وكان ما كان من أمره مع الفرس ، ولم أجد في تلك الحروب والوقعات مع عظمها وشدتها موضع حيلة ، ولا موقع تدبير تستفاد منه تجربة إلَّا اليسير مما سنذكره ، وباقيه كلَّه جهاد من القوم ونصر من الله واجتهاد من المسلمين ، وخذلان للفرس ، وانصرام لمدّتهم ، وانقضاء لملكهم . وكان شرطنا في أول الكتاب ألَّا نثبت من الأخبار إلَّا ما فيه تدبير نافع للمستقبل ، أو حيلة تمّت في حرب ، أو غيرها ، ليكون معتبرا وأدبا لمن يستأنف من الأمر مثله ، فلذلك تركنا إثبات هذه الوقائع ، وعلى أنّا سنذكر الجمل التي فيها أدنى تنبيه على موضع فائدة ، ولأجل ذلك ، تركنا ذكر أكثر مغازي رسول الله - صلى الله عليه - ووقعاته ، لأنّها كلَّها توفيق الله ونصره وخذلان أعدائه ، ولا تجربة في هذا ، ولا تستفاد منه حيلة ، ولا تدبير بشرىّ [2] . ومن الآراء السديدة ما كان من خالد بالشام يوم اليرموك [3] [ 308 ] وذلك أنّ خالدا افتتح السواد الذي بينه وبين دجلة ، وحاز غربىّ دجلة كلَّها بوقائع كثيرة وحروب عظيمة ، وشغل الفرس عن أمر الملك . فإنّ أردشير بن
[1] . كذا في الطبري : ( 4 : 1953 ) . [2] . انتبه إلى الإصرار الذي يبديه مسكويه على منهجه في كتابة التاريخ . [3] . أنظر الطبري 4 : 2090 .