من سيرته المرتضاة وكان من سيرته المرتضاة : أنّه تحرّى الخير والعدل على الرعيّة ، وتشدّد على العظماء المستطيلين على الضعفاء ، وبلغ من عدله أنّه كان يسير إلى ال « ماه » ليصيف هناك ، فأمر فنودي في مسيره ذلك في مواضع الحروث أن يتحامى ، ولا يسير فيها الراكب لئلَّا يضرّوا بأحد ووكّل بتعهّد ما يجرى في عسكره ، ومعاقبة من تعدّى أمره ، وتغريمه عوضا لصاحب الحرث . وكان ابنه كسرى في عسكره ، فعار [1] مركب من مراكبه ، ووقع في محرثة من المحارث التي كانت على طريقه ، فرتع فيها ، وأفسد منها . فأخذ ذلك المركب ، ورفع إلى الرجل الذي وكّله هرمز بمعاقبة من أفسد [ 217 ] هو أو دابّته شيئا من المحارث وتغريمه ، ولم يقدر الرجل على إنفاذ أمر هرمز في كسرى ابنه ، ولا أحد من حشمه . فرفع ما رأى من إفساد ذلك المركب إلى هرمز ، فأمره أن يجدع [2] أذنيه ، ويبتّر ذنبه ، ويغرّم كسرى . فخرج الرجل لإنقاذ الأمر . فدسّ له كسرى رهطا من العظماء ليسألوه التغبيب [3] في أمره ، فلقوه وكلَّموه في ذلك ، فلم يجب إليه ، فسألوه أن يؤخّر ما أمر به هرمز في المركب حتى يكلَّموه . فأمر بالكفّ عنه ، ففعل . فلقى أولئك الرهط هرمز ، وأعلموه أنّ بذلك [4] [ المركب ] [5] الذي عار ، زعارة ، وأنّه أخذ للوقت . وسألوه أن يأمر بالكفّ عن جدعه وتبتيره لما فيه من سوء الطيرة . فلم يجبهم إلى ما سألوه ، وأمر بالمركب ، فجدع أذناه وبتّر ذنبه وغرّم كسرى كما يغرّم غيره في هذا الحد ، ثم ارتحل .
[1] . عار يعير عيرا : ذهب وجاء مترددا . [2] . جدعه : قطع أنفه أو طرفا من أطرافه . [3] . غبّب فلان في الأمر : لم يبالغ فيه . [4] . مط : أنّ بتلك الدابة التي غارت غازة وأنه أخذ للوقت ! [5] . في الأصل : « الدابة » فاستبدلناها ب « المركب » مراعاة لتذكير ما يرتبط به من موصول وضمير .