وخرجت في أثره ، وهرب قباذ ، فلحق بأرض [ 170 ] الهياطلة ، ليستمدّ ملكها فيحارب من يخالفه . فيقال : إنّه نزل في مسيره ب « أبرشهر [1] » على رجل من عظمائها . فتزوّج ابنة له معصرا [2] ، وإنّها أمّ كسرى أنوشروان وإنّ نكاحه لأم أنوشروان في سفره هذا . ثمّ إنّ قباذ رجع من سفره هذا بابنه أنوشروان . وغلب أخاه جاماسف بعد أن ملك اخوه ستّ سنين . ثم غزا الروم وافتتح آمد [3] وبنى مدنا منها : أرجان وغيرها ، وملَّك ابنه كسرى أنوشروان وأعطاه خاتمه . وهلك قباذ وكان ملكه بسنى ملك [4] أخيه ثلاثا وأربعين سنة . سبب هلاك قباذ وكان سبب هلاكه سوء رأيه ، وفساد عقيدته ، وضعف ملكه . وذلك أنّه لمّا التقى الحارث بن عمرو بن حجر الكندي والنعمان بن المنذر بن امرئ القيس ، قتله ، وأفلت المنذر بن النعمان الأكبر ، وملك الحارث بن عمرو الكندي ما كان يملك النعمان . فبعث قباذ بن فيروز ملك فارس إلى الحارث بن عمرو الكندي أنّه : - « قد كان بيننا وبين الملك الذي كان قبلك عهد وإنّى أحبّ لقاءك » . [ 171 ] وكان قباذ زنديقا يظهر الخير ، ويكره سفك الدماء ، ويدارى أعداءه في ما يكره من سفك الدماء ، وكثرت الأهواء في زمانه واستضعفه الناس . فخرج إليه الحارث بن عمرو في عدد وعدّة ، حتى التقيا بقنطرة الفيّوم . فأمر
[1] . مط : ايرانشهر . وأبرشهر اسم لنيسابور في أوائل الحكم الإسلامي ، وكان يقال لها ايرانشهر أيضا ( لج : 409 ) . [2] . أعصرت المرأة : أدركت وكأنّها دخلت شبابها فهي معصر . [3] . آمد : أكبر مدن ديار بكر على الدجلة العليا ( لج : 93 ) . [4] . الأصل ومط : بملك سنى أخيه . والباء بمعنى مع . أنظر الطبري 2 : 888 . وابن الأثير 1 : 414 .