قباذ بطبق من تمر ، فنزع نواه ، وأمر بطبق آخر ، فجعل فيه تمر بنواه . ثم وضعا بين أيديهما ، وجعل الذي فيه النوى بين يدي الحارث بن عمرو ، والذي لا نوى فيه بين يدي الملك قباذ . فكان الحارث يأكل التمر ويلقى النوى ، والملك يأكل التمر ولا يحتاج إلى إلقاء النوى . فقال الحارث : « ما لك لا تأكل كما آكل ؟ » فقال الحارث : « إنّما يأكل النوى إبلنا وغنمنا . » وعلم أنّ قباذ يهزأ به . ثم افترقا على الصلح وعلى أن لا يتجاوز الحارث وأصحابه الفرات . إلَّا أنّ الحارث استضعفه وطمع فيه ، فأمر أصحابه أن يعبروا الفرات ويغيروا على قرى السواد . فأتى قباذ الصريخ وهو بالمدائن ، فقال : - « هذا من تحت كنف ملكهم » . ثم أرسل إلى الحارث بن عمرو : أنّ لصوصا من العرب قد أغاروا على السواد [ 172 ] وأنه يحبّ لقاءه . فلقيه ، فقال قباذ كالعاتب : - « لقد صنعت صنيعا ما صنعه أحد قبلك . » فطمع الحارث في لين كلامه فقال : - « ما علمت ولا شعرت ، ولا أستطيع ضبط لصوص العرب ، وما كلّ العرب تحت طاعتي ، وما أتمكّن منهم إلَّا بالمال والجنود . » فقال له قباذ : « فما الذي تريد ؟ » قال : « أريد أن تطعمني من السواد ما أتّخذ به سلاحا [1] . » فأمر له بما يلي جانب الغرب من أسفل الفرات وهي ستّة طساسيج .