نام کتاب : تاريخ اليعقوبي نویسنده : اليعقوبي جلد : 1 صفحه : 144
وانصرف ، فشرق ، وغرب ، ثم رجع إلى أرض بابل بعد أن دوخ الأرض . فلما صار في أداني العراق ، مما يلي الجزيرة ، اعتل ، فاشتدت علته ، فلما يئس من نفسه ، وعلم أن الموت قد نزل به ، كتب إلى أمه كتابا يعزيها عن نفسه ، وقال لها في آخره : اصنعي طعاما ، واجمعي من قدرت عليه من نساء أهل المملكة ، ولا يأكل من طعامك من أصيب بمصيبة قط ! فعملت طعاما ، وجمعت الناس ، ثم أمرتهم ألا يأكل من أصيب بمصيبة قط ، فلم يأكل أحد ، فعلمت ما أراد . ومات الإسكندر بموضعه الذي كاتب منه ، فاجتمع أصحابه ، فكفنوه ، وحنطوه ، وصيروه في تابوت من ذهب ، ثم وقف عليه عظيم من الفلاسفة ، فقال : هذا يوم عظيم كشف الملك عنه ، وأقبل من شره ما كان مدبرا ، وأدبر من خيره ما كان مقبلا ، فمن كان باكيا على ملك ، فعلى ها الملك فليبك ، ومن كان متعجبا من حادث ، فمن مثل هذا الحادث فليتعجب . ثم أقبل على من حضره من الفلاسفة ، فقال : يا معاشر الحكماء ! ليقل كل امرئ منكم قولا يكون للخاصة معزيا ، وللعامة واعظا . فقام كل واحد من تلامذة أرسطاطاليس ، فضرب بيده على التابوت ، ثم قال : أيها المنطيق ما أخرسك ! أيها العزيز ما أذلك ! أيها القانص أنى وقعت موضع الصيد في الشرك من هذا الذي يقنصك ؟ ثم قام آخر فقال : هذا القوي الذي أصبح اليوم ضعيفا ، والعزيز الذي أصبح اليوم ذليلا . وقام آخر فقال : قد كانت سيوفك لا تجف ، ونقماتك لا تؤمن ، وكانت مدائنك لا ترام ، وكانت عطاياك لا تبرح ، وكان ضياؤك لا يكسف ، فأصبح ضوءك قد خمد ، ونقماتك لا تخشى ، وأصبحت عطاياك لا ترجى ، وأصبحت سيوفك لا تنتضى ، وأصبحت مدائنك لا تمنع . ثم قام آخر فقال : هذا الذي كان للملوك قاهرا ، فقد أصبح اليوم
144
نام کتاب : تاريخ اليعقوبي نویسنده : اليعقوبي جلد : 1 صفحه : 144