نام کتاب : تاريخ الكوفة نویسنده : السيد البراقي جلد : 1 صفحه : 220
بالإحسان والمسرّات ، وعمل الباقيات الصالحات ، فأمر بحفر نهر لإجراء الماء من نهر الفرات إلى أرض النجف . فامتثل المنهدسون والمعمارون أمره وأسرعوا لما أراد ورغب ، بعد أن بذل الأموال الطائلة ما يزيد على المائة ألف دينار من الذهب الأحمر ، واكتروا نهراً من شط الفرات العذب من سلسال عين الحياة ، فجرى ذلك الماء إلى الكوفة روّح الله روح ساكنها ، وكانت تلك الأرض قبل ذلك خالية من العمارات ، مقفرة العرصات ، موحشة لعدم النزهة فيها والكلاء ، فحدثت بحدوث النهر الأشجار ، وجرت في جوانبها الأنهار ، ( وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أمَلا ) ( 1 ) ، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ، فجرى ذلك بواد غير ذي زرع ، فأحدقت بهجتها برياضها ، من بعد ما كانت موحشة أطلالها ، فزهرت لها أنوارها ، ولم يكن قبل ذلك ممّن تقدم من الملوك والسلاطين من يهتدي إلى هذه الخيرية الشاملة لثواب يوم الدين ، مع أنهم قد جمعوا وادّخروا . وكان تاج الدين علي ابن أمير الدين من بعض فضلاء ذلك العصر ، وكان أيضاً من جملة المأمورين بهذا العمل واستخراج ماء الفرات واستنباط ذلك الخير النبيل ، وإجراء الفضل الجزيل ، فممّا في ذلك قيل : ألفاظها كسلسل بل أين الفرات عن الرحيق الأسلس ، ومعانيها تزدري برياض الجنات ، فقال القائل في هذه الكلمات : آضت به أرض النجف ، روضة غنّاء ، وحلّة زهراء ، موشية بعد أن كانت موسخة ، كأن ثراها عنبر سحيق ، أو مسك فتيق ، يتصبب منها زلال سحها الدرور ، ويرقص على ايقاع تصفيق مائها السرور ، فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها وكذلك النشور : والماء يبدو في الوقائع لامعاً * كالبحر مع نور الغزالة تشرق فإذا تخلل في الخمائل خلته * صلا يحاذر وقع نصل يمرق تتراقص الأغصان من فرح بها * ويمر بالأنهار وهو يصفق قد اخضّرت بأزهار الحدائق روضها ، وأعشبت بأنوار الخمائل أرضها ، وتأرج بنفحات الرياحين ونسمات البساتين طولها وعرضها ، كأنها حقائب تجار ، أو بيت
1 - سورة الكهف : 46 .
220
نام کتاب : تاريخ الكوفة نویسنده : السيد البراقي جلد : 1 صفحه : 220