نام کتاب : تاريخ الكوفة نویسنده : السيد البراقي جلد : 1 صفحه : 297
فتن الكوفة وحوادثها ليست الكوفة بدعاً من لداتها ( 1 ) من الأوساط الفخمة والحواضر الكبرى التي تزدلف إليها أخلاط من الناس من هنا وهنا فمن تجع علماً ، إلى طالب وفراً ، إلى ميمّم بلغة ، إلى مستأمن بفنائها من ملمة الحطب وعادية المرجفين ، إلى متقو بمن فيها يريد تطفيف المكاييل مع متغلب عليه ، فكان بطبع الحال فيها طبقات من الأمم ، علماء أبرار ، ونسّاك زهاد ، وعقلاء ساسة ، وما لكون أمراء ، وفا تكون ثوار ، ورعرعة دهماء . فكانت الأفكار فيها تتضارب والنزعات تتخالف ، فربما أخذت الحقائق بأعضاد ذويها ، وربما ساعدت الحظوظ وثابة النهمة والشره ، وكلما خبا ذكر أحد الفريقين تربّص الفريق الآخر به الدوائر ، حتى تتضاءل مرة صاحبه وتلين قوته ، ولم يزل تباين الخطط بهذه العاصمة الإسلامية حتى حكم ما انتابها من الكوارث والفتن من جرائه عليها بالتدمير ، وألحقتها بحديث أمس الدابر . وأعجب شيء كان بالكوفة - وهي عاصمة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وفيها شيعته ومحبوه ، وبها أنصاره وأعضاده - أن تلك الدوائر المقلقة للسلام ما دارت على أي أحد كما دارت على أشياعه ومن لاث به وبنيه وذويه ، ذلك أن المقعي ( 2 ) على أنقاض ولايتها ، بعده كانوا في الغالب جبابرة طغاة ينصبون له ولشيعته العداء ، وتحدوهم المطامع في سيب الأمويين إلى الوقيعة فيهم والنيل منهم . وفي الكوفة زعانفة ( 3 ) يميلون مع كل ناعق ، هم أعضاد كل ظالم ، لكن الحقيقة الناصعة أبقت لعلي ( عليه السلام ) وولده وشيعته ، صحيفة بيضاء يتلوها الملوان ( 4 ) وذكرى خالدة يتداولها مرّ الجديدين ، وما عند الله خير وأبقى .