responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إمتاع الأسماع نویسنده : المقريزي    جلد : 1  صفحه : 38


أن إسلام أهل مكة كان باطلا ، فدخلوا مكة في شوال سنة خمس من النبوة ، وما منهم من أحد إلا بجوار أو مستخفيا .
وأقام المسلمون بمكة وهم في بلاء ، فخرج جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وجماعات - بلغ عددهم بمن خرج أولا اثنين وثلاثين - فآواهم أصحمة النجاشي ملك الحبشة وأكرمهم .
بعثة قريش لإرجاع المسلمين من الحبشة فلما علمت قريش بذلك بعثت في أثرهم عبد الله بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وعمرو بن العاص ، بهدايا وتحف إلى النجاشي ليردهم عليهم فأبى ذلك ، فشفعوا إليه بقواده فلم يجبهم إلى ما طلبوا فوشوا إليه أن هؤلاء يقولون في عيسى عليه السلام قولا عظيما : يقولون إنه عبد .
فأحضر المسلمين إلى مجلسه وزعيمهم جعفر فقال : ما تقولون في عيسى ؟
فتلا عليه جعفر سورة ( كهيعص ) [1] فلما فرغ أخذ النجاشي عودا من الأرض وقال : ما زاد هذا على ما في الإنجيل ولا هذا العود ، ثم قال : اذهبوا فأنتم شيوم [2] بأرضي من سبكم غرم ، وقال لعمرو و عبد الله : لو أعطيتموني دبرا من ذهب ( يعني جبلا من ذهب ) ما سلمتهم إليكما . ثم أمر فردت عليهما هداياهما ورجعا بشر خيبة [3] .



[1] أول من سورة مريم عليها السلام .
[2] شيوم : كلمة حبشية معناها آمنون .
[3] وقد أورد الحافظ أبو نعيم الأصبهاني هذا الخبر مفصلا في ( دلائل النبوة ) ج 1 ص 243 حديث رقم ( 193 ) ، حيث قال : حدثنا سليمان بن أحمد قال : حدثنا محمد بن عمر بن خالد الحراني قال : حدثنا أبي قال : حدثنا ابن لهيعة قال : حدثنا أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن ، عن عروة بن الزبير في خروج جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة ، قال : فبعثت قريش في آثارهم عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، وعمر بن العاص السهمي ، وأمروهما أن يسرعا السير حتى يسبقاهم إلى النجاشي ، ففعلا ، فقدما على النجاشي فدخلا عليه ، فقالا له : إن هذا الرجل الذي بين أظهرنا ، وأفسد فينا ، تناولك ليفسد عليك دينك ، وملكك وأهل سلطانك ، ونحن لك ناصحون ، وأنت لنا عيبة صدق ، تأتي إلى عشيرتنا بالمعروف ، ويأمن تاجرنا عندك فبعثنا قومنا إليك لننذرك فساد ملكك ، وهؤلاء نفر من أصحاب الرجل الذي خرج فينا ، ونخبرك بما نعرف من خلافهم الحق ، أنهم لا يشهدون أن عيسى بن مريم إلها ، ولا يسجدون لك إذا دخلوا عليك ، فادفعهم إلينا فلنكفيكهم . فلما قدم جعفر وأصحابه ، وهم على ذلك من الحديث ، وعمرو وعمارة عند النجاشي ، وجعفر وأصحابه على ذلك الحال ، قال : فلما رأوا أن الرجلين قد سبقا ودخلا ، صاح جعفر على الباب يستأذن حزب الله ، فسمعها النجاشي ، فأذن لهم فلما دخلوا وعمرو وعمارة عند النجاشي ، قال : أيكم صاح عند الباب ؟ فقال جعفر : أنا هو ، فأمره فعاد لها . فلما دخلوا وسلموا تسليما أهل الإيمان ، ولم يسجدوا له ، فقال عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد : ألم نبين لك خبر القوم ، فلما سمع النجاشي ذلك أقبل عليهم ، فقال : أخبروني أيها الرهط ما جاء بكم ؟ وما شأنكم ؟ ولم أتيتموني ولستم بتجار ولا سؤال ؟ وما نبيكم الذي خرج ؟ وأخبروني مالكم ؟ لم لا تحيوني كما يحييني من أتاني من أهل بلدكم ؟ وأخبروني ما تقولون في عيسى ابن مريم ؟ فقام جعفر بن أبي طالب - وكان خطيب القوم - فقال : إنما كلامي ثلاث كلمات ، إن صدقت فصدقني ، وإن كذبت فكذبني ، فأمر أحدا من هذين الرجلين فليتكلم ولينصت الآخر ، قال عمرو : أنا أتكلم ، قال النجاشي : أنت يا جعفر فتكلم قبله . فقال جعفر : إنما كلامي ثلاث كلمات ، سل هذا الرجل أعبيد نحن أبقنا من أربابنا ؟ فقال النجاشي : أعبيد هم يا عمرو ؟ قال عمرو : بل أحرار كرام ، قال جعفر : سل هذا الرجل هل أهرقنا دما بغير حقه ؟ فادفعنا إلى أهل الدم . فقال : هل أهرقوا دما بغير حقه ؟ فقال : ولا قطرة واحدة من دم . ثم قال جعفر : سل هذا الرجل أخذنا أموال الناس بالباطل ؟ فعندنا قضاء ؟ فقال النجاشي : يا عمرو ، إن كان على هؤلاء قنطار من ذهب فهو علي . فقال عمرو : ولا قيراط ، فقال النجاشي : ما تطالبونهم به ؟ قال عمرو : فكنا نحن وهم على دين واحد ، وأمر واحد ، فتركوه ولزمناه . فقال النجاشي : ما هذا الذي كنتم عليه فتركتموه وتبعتم غيره ؟ فقال جعفر : أما الذي كنا عليه فدين الشيطان ، وأمر الشيطان ، نكفر بالله ونعبد الحجارة ، وأما الذي نحن عليه فدين الله عز وجل ، نخبرك أن الله بعث إلينا رسولا كما بعث إلى الذين من قبلنا ، فأتانا بالصدق والبر ، ونهانا عن عبادة الأوثان ، فصدقناه وآمنا به واتبعناه ، فلما فعلنا ذلك عادانا قومنا ، وأرادوا قتل النبي الصادق ، وردنا في عبادة الأوثان ، ففررنا إليك بديننا ودمائنا ، ولو أقرنا قومنا لاستقررنا ، فذلك خبرنا . وأما شأن التحية : فقد حييناك بتحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي يحيي به بعضنا ، أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحية أهل الجنة السلام فحييناك بالسلام ، وأما السجود ، فمعاذ الله أن نسجد إلا لله ، وأن نعدلك به . وأما في شأن عيسى ابن مريم : فإن الله عز وجل أنزل في كتابه على نبينا ، أنه رسول قد خلت من قبله الرسل ، ولدته الصديقة العذراء البتول الحصان ، وهو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم ، وهذا شأن عيسى ابن مريم . فلما سمع النجاشي قول جعفر أخذ بيده عودا ، ثم قال لمن حوله : صدق هؤلاء النفر ، وصدق نبيهم ، والله ما يزيد عيسى ابن مريم على ما يقول هذا الرجل ولا وزن هذا العود ، فقال لهم النجاشي : امكثوا فإنكم سيوم - والسيوم : الآمنون - قد منعكم الله ، وأمر لهم بما يصلحهم . فقال النجاشي : أيكم أدرس للكتاب الذي أنزل على نبيكم ؟ قالوا ، جعفر ، فقرأ عليهم سورة مريم ( عليها السلام ) ، فلما سمعها عرف أنه الحق ، وقال النجاشي : زدنا من هذا الكلام الطيب ، ثم قرأ عليه سورة أخرى ، فلما سمعها عرف الحق ، وقال : صدقتم وصدق نبيكم صلى الله عليه وسلم ، أنتم والله صديقون ، امكثوا على اسم الله وبركته ، آمنين ممنوعين ، وألقى عليهم المحبة من النجاشي . فلما رأى ذلك عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص سقط في أيديهما ، وألقى الله بين عمرو وعمارة العداوة في مسيرهما قبل أن يقدما على النجاشي ليدركا حاجتهما التي خرجا لها من طلب المسلمين ، فلما أخطأهما ذلك ، رجعا بشر ما كانا عليه من العداوة وسوء ذات البين ، فمكر عمرو بعمارة ، فقال : يا عمارة ، إنك رجل جميل وسيم ، فأت امرأة النجاشي فتحدث عندها إذا خرج زوجها ، تصيبها فتعيننا على النجاشي ، فإنك ترى ما وقعنا فيه من أمرنا ، لعلنا نهلك هؤلاء الرهط . فلما رأى ذلك عمارة انطلق حتى أتى امرأة النجاشي ، فجلس إليها يحدثها ، وخالف عمرو بن العاص إلى النجاشي فقال : إني لم أكن أخونك في شئ علمته إذا أطلعت عليه ، وإن صاحبي الذي رأيت لا يتمالك عن الزنا إذا هو قدر عليه ، وإنه قد خالف إلى امرأتك ، فأرسل النجاشي إلى امرأته ، فإذا هو عندها ، فلما رأى ذلك أمر به فنفخ في إحليله سحر ، ثم ألقى في جزيرة البحر فعاد وحشيا مع الوحش ، يرد ويصدر معها زمانا ، حتى ذكر لعشيرته ، فركب أخوه ، فانطلق معه بنفر من قومه ، فرصدوه حتى إذا ورد أوثقوه فوضعوه في سفينة ليخرجوا به ، فلما فعلوا به ذلك مات ، وأقبل عمرو إلى مكة قد أهلك الله صاحبه ، ومنع حاجته . هذا الحديث مرسل ، وفيه ابن لهيعة وهو صدوق ، ولكنه خلط بعد احتراق كتبه ، ولكن أورده الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) 6 / 27 بسياقه أخرى فيها تقديم وتأخير وقال : رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح ، غير ابن إسحاق ، وقد صرح بالسماع ، وأخرجه أبو نعيم في ( الحلية ) 1 / 115 ، و ( السيرة ) 2 / 179 - 180 . وفي هذا الحديث من الفقه : الخروج عن الوطن وإن كان الوطن مكة على فضلها ، إذا كان الخروج فرارا بالدين ، وإن لم يكن إسلام ، فإن الأحباش كانوا نصارى يعبدون المسيح ولا يقولون : هو عبد الله ، وقد تبين ذلك في الحديث . وسموا بهذه مهاجرين ، وهم أصحاب الهجرتين الذين أثنى الله عليهم بالسبق ، فقال : ( والسابقون الأولون ) ، وجاء في التفسير : أنهم الذين صلوا القبلتين ، وهاجروا الهجرتين . وقد قبل أيضا : هم الذين شهدوا بيعة الرضوان ، فانظرا كيف أثنى الله عليهم بهذه الهجرة ، وهم قد خرجوا من بيت الله الحرام إلى دار كفر لما كان فعلهم ذلك احتياطا على دينهم ، ورجاء أن يخلي بينهم وبين عبادة ربهم ، يذكرونه آمنين مطمئنين .

38

نام کتاب : إمتاع الأسماع نویسنده : المقريزي    جلد : 1  صفحه : 38
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست