نام کتاب : المنتظم في تاريخ الأمم والملوك نویسنده : ابن الجوزي جلد : 1 صفحه : 16
من العسل لأجل ما أطلب وأرجو . كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث ، وأقعد على نهر عيسى ، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء ، فكلما أكلت لقمة شربت عليها ، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم . وأثمر ذلك عندي من المعاملة ما لا يدرك بالعلم ، حتى انني أذكر في زمان الصبوة ووقت الغلمة والعزبة قدرتي على أشياء كانت النفس تتوق إليها توقان العطشان إلى الماء الزلال ، ولم يمنعني عنها إلا ما أثمر عندي من العلم من خوف الله عز وجل ، ولولا خطايا لا يخلو منها البشر لكنت أخاف على نفسي من العجب [1] . وكانت مدينة بغداد يومئذ شأنها في كل عهودها العربية الإسلامية زاخرة بالمعاهد والعلماء ، ولم تفتر فيها الحركة العلمية إطلاقا ، فساعد ذلك ابن الجوزي على الاختلاف إلى شيوخه في وقت مبكر في حياته حدده بعضهم بعام 516 ه ، وآخرون بعام 520 ه . بيد أن ابن الجوزي كان أكثر تطرفا في هذا الشأن إذ ذكر سماعه على محمد بن محمد الخزيمي ( ت 514 ه ) وقال : « ورأيت من مجالسه أشياء قد علقت عنه فيها كلمات ولكن أكثرها ليس بشيء فيها أحاديث موضوعة وهذيانات فارغة يطول ذكرها » وكان عمره يومئذ في أكثر تقدير خمسة أعوام إذا أخذنا بتحديد ميلاده عام 508 ه ، وإلا فإن عمره - في هذا النص لو صح - لا يتجاوز الثلاث سنين ، وهو أمر مستبعد . ولكنه من الثابت أنه أقبل على الدرس منذ نعومة أظفاره يدفعه إلى ذلك تشجيع ذويه وميوله الذاتية . وقد أكسبه حب العلم والإقبال عليه ثقافة واسعة مستمدة من معاهد العلم في بغداد ، لأنه لم يخرج منها طيلة حياته إلا لأداء فريضة الحج وأخيرا نفيه إلى واسط ، ومن ثم فإن ثقافته بغدادية خالصة ، ولا يقدح بثقافته كونها لم تتجاوز حدود بغداد إلى غيرها من الحواضر الإسلامية ، ذلك أن بغداد كانت ملتقى رجال العلم والفكر من شتى أنحاء العالم الإسلامي ، ومن هنا فهي تمثل عالم الإسلام كله من أقصاه إلى أقصاه بلا استثناء [2] . وليس أدلّ على أن ابن الجوزي يعد من أئمة عصره في شتى العلوم ، من قول أئمة
[1] صيد الخاصر . لابن الجوزي ص 191 ، 192 . [2] كتاب المنتظم ، دراسة في منهجه وموارده وأهميته ، للدكتور حسن عيسى علي الحكيم . ص 46 ، 47 . ط عالم الكتب بيروت .
16
نام کتاب : المنتظم في تاريخ الأمم والملوك نویسنده : ابن الجوزي جلد : 1 صفحه : 16