نام کتاب : المستطرف في كل فن مستظرف نویسنده : الأبشيهي جلد : 1 صفحه : 394
فلما سمع الرجل الحديث قال : لقد أمكنك الله تعالى من الوفاء ومكافأته على فعله ومجازاته على صنيعه بلا كلفة عليك ولا مؤنة تلزمك فقلت : وكيف ذلك قال : أنا ذلك الرجل وإنما الضر الذي أنا فيه غير عليك حالي وما كنت تعرفه مني ثم لم يزل يذكر لي تفاصيل الأسباب حتى أثبت معرفته . فما تمالكت أن قمت وقبلت رأسه ثم قلت له : فما الذي أصارك إلى ما أرى فقال : هاجت بدمشق فتنة مثل الفتنة التي كانت في أيامك فنسبت إلي وبعث أمير المؤمنين بجيوش فأصلحوا البلد وأخذت أنا وضربت إلى أن أشرفت على الموت وقيدت وبعث بي إلى أمير المؤمنين وأمري عنده عظيم وخطبي لديه جسيم وهو قاتلي لا محالة وقد أخرجت من عند أهلي بلا وصية وقد تبعني من غلماني من ينصرف إلى أهلي بخبري وهو نازل عند فلان فإن رأيت أن تجعل من مكافأتك لي أن ترسل من يحضره لي حتى أوصيه بما أريد فإن أنت فعلت ذلك فقد جاوزت حد المكافأة وقمت لي بوفاء عهدك . قال العباس : قلت يصنع الله خيراً . ثم أحضر حداداً في الليل فك قيوده وأزال ما كان فيه من الأنكال وأدخله حمام داره وألبسه من الثياب ما احتاج إليه ثم سير من أحضر إليه غلامه فلما رآه جعل يبكي ويوصيه فاستدعى العباس نائبه وقال : علي بالفرس الفلاني والفرس الفلاني والبغل الفلاني والبغلة الفلانية حتى عد عشرة ثم عشرة من الصناديق ومن الكسوة كذا وكذا ومن الطعام كذا وكذا قال ذلك الرجل : وأحضر لي بدرة عشرة آلاف درهم وكيساً فيه خمسة آلاف دينار وقال لنائبه في الشرطة : خذ هذا الرجل وشيعه إلى حد الأنبار . فقلت له : إن ذنبي عند أمير المؤمنين عظيم وخطبي جسيم . وإن أنت احتججت بأني هربت بعث أمير المؤمنين في طلبي كل من على بابه فأرد وأقتل . فقال لي : أنج بنفسك ودعني أدبر أمري فقلت : والله ما أبرح من بغداد حتى أعلم ما يكون من خبرك فإن احتجت إلى حضوري حضرت فقال لصاحب الشرطة : إن كان الأمر على ما يقول فليكن في موضع كذا فإن أنا سلمت في غداة غداً أعلمته وإن أنا قتلت فقد وقيته بنفسي كما وقاني بنفسه وأنشدك الله أن لا يذهب من ماله درهم وتجتهد في إخراجه من بغداد . قال الرجل : فأخذني صاحب الشرطة وصيرني في مكان أثق به وتفرغ العباس لنفسه وتحنط وجهز له كفناً . قال العباس : فلم أفرغ من صلاة الصبح إلا وأرسل المأمون في طلبي ويقولون : يقول لك أمير المؤمنين هات الرجل معك وقم . قال : فتوجهت إلى دار أمير المؤمنين فإذا هو جالس وعليه ثيابه وهو ينتظرنا . فقال : أين الرجل فسكت فقال : ويحك أين الرجل فقلت : يا أمير المؤمنين اسمع مني فقال : الله علي عهد لئن ذكرت أنه هرب لأضربن عنقك . فقلت : لا والله يا أمير المؤمنين ما هرب . ولكن اسمع حديثي وحديثه ثم شأنك ما تريد أن تفعله في أمري قال : قل . فقلت : يا أمير المؤمنين كان من حديثي معه كيت وكيت وقصصت عليه القصة جميعها وعرفته أنني أريد أن أفي له وأكافئه على ما فعله معي وقلت أنا وسيدي ومولاي أمير المؤمنين بين أمرين : إما أن يصفح عني فأكون قد وفيت وكافأت وإما أن يقتلني فأقيه بنفسي . وقد تحنطت وها كفني يا أمير المؤمنين . فلما سمع المأمون الحديث قال : ويلك لا جزاك الله عن نفسك خيراً . إنه فعل بك ما فعل من غير معرفة وتكافئه بعد المعرفة والعهد بهذا لا غيره . هلا عرفتني خبره فكنا نكافئه عنك ولا نقصر في وفائك
394
نام کتاب : المستطرف في كل فن مستظرف نویسنده : الأبشيهي جلد : 1 صفحه : 394