responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المستطرف في كل فن مستظرف نویسنده : الأبشيهي    جلد : 1  صفحه : 36


فلما خرجا من عنده مرا على سليمان عليه السلام وكان عمره إذ ذاك على ما نقله أئمة التفسير إحدى عشرة سنة فقال لهما : ما حكم بينكما الملك فذكرا له ذلك . فقال : غير هذا أرفق بالفريقين . فعادا إلى داود عليه السلام وقالا له ما قاله ولده سليمان عليه السلام فدعاه داود عليه السلام وقال له : ما هو الأرفق بالفريقين فقال سليمان : تسلم الغنم إلى صاحب الحرث . - وكان الحرث كرماً قد تدلت عناقيده في قول أكثر المفسرين - فيأخذ صاحب الكرم الأغنام يأكل لبنها وينتفع بدرها ونسلها ويسلم الكرم إلى صاحب الأغنام ليقوم به فإذا عاد الكرم إلى هيئته وصورته التي كان عليها ليلة دخلت الغنم إليه سلم صاحب الكرم الغنم إلى صاحبها وتسلم كرمه كما كان بعناقيده وصورته فقال له داود : القضاء كما قلت . وحكم به كما قال سليمان عليه السلام .
في هذه القصة نزل قوله تعالى : " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا أتينا حكماً وعلماً " الأنبياء 78 ، 79 . فهذه المعرفة والدراية لم تحصل لسليمان بكثرة التجربة وطول المدة بل حصلت بعناية ربانية وألطاف إلهية وإذا قذف الله تعالى شيئاً من أنوار مواهبه في قلب من يشاء من خلقه اهتدى إلى مواقع الصواب ورجح على ذوي التجارب والاكتساب في كثير من الأسباب ويستدل على حصول كمال العقل في الرجل بما يوجد منه وما يصدر عنه فإن العقل معنى لا يمكن مشاهدته فإن المشاهدة من خصائص الأجسام .
فأقول : يستدل على عقل الرجل بأمور متعددة منها : ميله إلى محاسن الأخلاق وإعراضه عن رذائل الأعمال ورغبته في إسداء صنائع المعروف وتجنبه ما يكسبه عاراً ويورثه سوء السمعة . وقد قيل لبعض الحكماء : بم يعرف عقل الرجل فقال : بقلة سقطه في الكلام وكثرة إصابته فيه . فقيل له : فإن كان غائباً فقال : بإحدى ثلاث إما برسوله وإما بكتابه وإما بهديته فإن رسوله قائم مقام نفسه وكتابه يصف نطق لسانه وهديته عنوان همته فبقدر ما يكون فيها من نقص يحكم به على صاحبها . وقيل : من أكبر الأشياء شهادة على عقل الرجل حسن مداراته للناس ويكفي أن حسن المداراة يشهد لصاحبه بتوفيق الله تعالى إياه . فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من حرم مداراة الناس فقد حرم التوفيق فمقتضاه أن من رزق المداراة لم يحرم التوفيق . وقالوا : العاقل الذي يحسن المداراة مع أهل زمانه . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجنة مائة درجة تسعة وتسعون منها لأهل العقل وواحدة لسائر الناس وقال علي بن عبيدة العقل ملك والخصال رعية فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها . فسمعه أعرابي فقال : هذا كلام يقطر عسله . وقيل : بأيدي العقول تمسك أعنة النفوس وكل شيء إذا كثر رخص إلا العقل فإنه كلما كثر غلا . وقيل : لكل شيء غاية وحد والعقل لا غاية له ولا حد ولكن الناس يتفاوتون فيه تفاوت الأزهار في المروج . واختلف الحكماء في ماهيته فقال قوم : هو نور وضعه الله طبعاً وغريزة في القلب كالنور في العين . وهو يزيد وينقص ويذهب ويعود وكما يدرك بالبصر شواهد الأمور كذلك يدرك بنور القلب المحجوب والمستور وعمى القلب كعمي البصر . قال الله تعالى : " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " الحج : 46 . وقيل محل العقل الدماغ وهو قول أبو حنيفة رحمه الله تعالى . وذهب جماعة إلى أنه في القلب كما روي عن الشافعي رحمه الله تعالى

36

نام کتاب : المستطرف في كل فن مستظرف نویسنده : الأبشيهي    جلد : 1  صفحه : 36
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست