ثم اتخذت حركة الخوارج أسلوبا آخر يختلف تماما عما مضى لما أن بدأت الدولة الأموية تتداعى إذ انقلبت تلك الحركة إلى ثورة شاملة . ونظرة إلى أعدادهم الآن تكشف لنا الفارق فبعد أن كانت قلة العدد طابع جيوشهم أصبحوا يقاتلون الآن بجماهير قوية . . . بعد اغتيال الوليد الثاني ثار سعيد بن بحدل الشيباني في العراق وزحف بمن معه . وقضى في طريقه على منافس اعترضه من بني ربيعة ثم توجه قاصدا الكوفة . لكنه مات بالطاعون أثناء الطريق فخلفه الضحاك بن قيس الشيباني ( 2 / 1900 س 4 ) الذي انضوى تحت لوائه عدة آلاف . وانضم إليه صفرية [1] شهرزور الذين حرصوا مع ذلك أن يكون لهم إمامهم الخاص في الصلاة ووجد في هذا الجيش كثير من النسوة اتخذت أسلحة الرجال وقاتلن قتالا مجيدا . وكان النزاع قائما منذ أربعة أشهر في الكوفة بين الوالي القديم وهو ابن عمر الثاني وبين الوالي الجديد ابن الحرشي الذي عينه الخليفة مروان . لكنهما اتفقا على الخوارج وهزمهما الخوارج في رجب سنة 127 ه ( إبريل سنة 745 م ) واضطر إلى التخلي عن الكوفة . ورجع ابن الحرشي إلى الشام أما ابن عمر فمضى إلى مدينة واسط الحصينة وهناك لحق به الضحاك بن قيس في شعبان 127 ه ( مايو سنة 745 م ) وحاصره . وبرز في قتال الخوارج منصور بن جمهور الكلبي لكنه كان أول من انضم إلى الخوارج وامتحنوا إيمانه وأخذ على نفسه أن يتبع تعاليم الاسلام ويطيع ما أمر به الله . وجاء ابن عمر . بعد تردد فبايع الضحاك بن قيس في نهاية شوال سنة 127 ه ( أوائل أغسطس سنة 745 م ) . قرشي إذن من الأسرة الحاكمة يصلي وراء خارجي من بكر بن وائل ! ولم يكن الوحيد بل تبعه أموي آخر كما سنرى . إن هذا هو تغير الأزمان . ولم يخجل ابن عمر بعد ذلك أن يبقى واليا على واسط من قبل الضحاك وأن يدير النصف الشرقي من دولته . أما الضحاك فعاد إلى الكوفة ابتغاء أن يدير النصف الغربي من دولته من هناك . ولكن الاحداث دعته أو هذا ما يقوله على الأقل أبو عبيدة الذي أخذنا عنه جوهر كلامنا عن خروج الضحاك في سنة 127 ه ( الطبري 2 / 1900
[1] هؤلاء هم الخوارج الذين كانوا قد استولوا على أرمينية وآذربيجان ونازعوا مروان السلطان هكذا يروي البلاذري ( ص 209 ) ولم يرد عن هذا شئ في الطبري وابن الأثير . قارن فيل Well ( 1 / 590 ) .