نام کتاب : التذكرة الحمدونية نویسنده : ابن حمدون جلد : 1 صفحه : 316
مصر جمع فيه بين حاشيتي التقوى والسياسة على بعد أقطارهما ، وجدته يغني عن كثير من كلام الحكماء والقدماء ، وهو مع فرط الإطالة مأمون الملالة ، لجمعه بين البلاغة البارعة ( 1 ) والمعاني الرائعة ، ولو لا رغبة الناس في تغاير الكلام وميل النفوس إلى التنقل في الألفاظ ، لا كتفيت بايراد هذا العهد عن غيره ، إذ كان حاويا لأشتات الآداب والسياسات ، جامعا للأسباب التي تلزم الملوك والولاة ، والعهد : هذا ما أمر عبد اللَّه عليّ أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر : جباية خراجها وجهاد عدوّها ، واستصلاح أهلها ، وعمارة بلادها : أمره بتقوى اللَّه وإيثار طاعته ، واتّباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسنّته التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها ، وأن ينصر اللَّه تعالى بيده وقلبه ولسانه ، فإنه جلّ اسمه قد تكفّل بنصر من نصره وإعزاز من أعزّه ، وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات ويردعها عند الجمحات ، فإنّ النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم اللَّه . ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور ، وأنّ الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم ، وإنما يستدلّ على الصالحين بما يجري اللَّه لهم على ألسن عباده ، فليكن أحبّ الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح ، فاملك هواك وشحّ بنفسك عما لا يحلّ لك فإن الشحّ بالنفس الانصاف منها فيما أحبّت وكرهت . وأشعر قلبك الرحمة بالرعية والمحبة لهم واللطف بهم ، ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا ، يغتنم أكلهم ، فإنهم صنفان : إما أخ لك في الدين ، وإما نظير لك في الخلق ، يفرط منهم الزلل ، وتعرض لهم العلل ، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ ، فأعطهم من عفوك وصفحك
316
نام کتاب : التذكرة الحمدونية نویسنده : ابن حمدون جلد : 1 صفحه : 316