نام کتاب : التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام نویسنده : الشيخ محمد مهدي شمس الدين جلد : 1 صفحه : 204
السيرة ، ويحيي ميت الكتاب والسنة [1] . هذا الأمل المضئ في الظلمات ليس أملا قريبا إذا نظرنا إليه بمنظار آمال الأفراد - كل واحد بخصوصه - ، فقد يمضي الموت بالأفراد دون أن تكتحل عيونهم بفجر هذا الأمل . . . إنه بالنسبة إليهم - كأفراد - بعيد . . . بعيد . كذلك هو أمل بعيد بالنسبة إلى كل مجتمع بمفرده وخصوصه ، فقد تمضي القرون على مجتمع دون أن يحقق في نظامه ، ومؤسساته هذا الأمل العظيم . . . ولكن هذا الأمل على مستوى النوع البشري كله أمل قريب ، لأن الأحداث التي تغير مسار الجنس البشري كله لا تقاس بأعمار الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات ولا بالحركة التاريخية في هذا النطاق أو ذاك أو ذياك ، وإنما تقاس بما تناسب مع حجم النوع الإنساني كله ، ومع حركة التاريخ العالمي كلها . . . إن ألف سنة ، مثلا ، في عمر فرد زمن كبير طويل . . . كذلك الحال بالنسبة إلى عمر حركة تاريخية في مجتمع من المجتمعات ، ولكن ألف سنة في عمر البشرية كلها زمن قصير بالنسبة إلى فترات التحول التاريخية الكبرى التي أدخلت تغييرا أساسيا على المسار التاريخي للجنس البشري كله ، فنقلته من مستوى معين إلى مستوى أعلى منه مرتبة ونوعية . إن فترات التحول التاريخية الكبرى - كما نعلم - تستغرق ألوف السنين ، أو - بالأحرى - عشرات الألوف من السنين . . . إنها حركة التاريخ الكبرى [2] . وفي انتظار أن تنجز حركة التاريخ الكبرى عملها في نقل الإنسانية إلى مستوى أعلى لم تفلح في بلوغه من قبل . . في انتظار ذلك تستمر حركة التاريخ في دوائرها الصغرى في العمل على تغيير حال البشر : أفرادا ، وجماعات ، ومجتمعات ، ومجموعات إقليمية .
[1] نهج البلاغة - رقم النص : 138 . [2] لعل ابن أبي الحديد قد طافت بذهنه هذه الفكرة حين قال معلقا على أحد نصوص نهج البلاغة بهذا الشأن : ثم وعدهم بقرب الفرج ، فقال : إن تكامل صنائع الله عندكم ، ورؤية ما تأملونه أمر قد قرب وقته ، وكأنكم بعد قد حضر وكان ، وهذا ( على نمط المواعيد الإلهية بقيام الساعة ، فإن الكتب المنزلة كلها صرحت بقربها ، وإن كانت بعيدة عنا ، لأن البعيد في معلوم الله قريب ، وقد قال سبحانه ( إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ) شرح نهج البلاغة 7 / 95 .
204
نام کتاب : التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام نویسنده : الشيخ محمد مهدي شمس الدين جلد : 1 صفحه : 204