نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 89
الحجر ، وما أشبه الحجر . وقلت له مرّة : أعلمت أن خبز البلدي ينبت عليه شيء شبيه بالطين ، والتراب ، والغبار المتراكم ؟ قال : حبذا ذلك من خبز ، وليته قد أشبه الأرض بأكثر من هذا المقدار ؟ وكان إذا كان جديد القميص ومغسوله ، ثم أتوه بكل بخور في الأرض ، لم يتبخّر ، مخافة أن يسوّد دخان العود بياض قميصه . فإن اتسخ فأتي بالبخور ، لم يرض بالتبخر ، واستقصاء ما في العود من القتار [1] ، حتى يدعو بدهن ، فيمسح به صدره وبطنه ، وداخلة إزارة ، ثم يتبخر ، ليكون أعلق للبخور . وكان يقول : حبّذا الشتاء ، فإنه يحفظ عليك رائحة البخور ، ولا يحمض فيه النبيذ ، إن ترك مفتوحا ، ولا يفسد فيه مرق إن بقي أياما . وكان لا يتبخر إلا في منازل أصحابه . فإذا كان في الصيف ، دعا بثيابه ، فلبسها على قميصه ، لكيلا يضيع من البخور ، شيء . وقال مرّة : إن للشيب سهكة [2] . وبياض الشعر الأسود هو موته ، وسواده حياته . ألا ترى أن موضع دبرة الحمار الأسود لا ينبت إلا أبيض . والناس لا يرضون منا ، في هذا العسكر ، إلا بالعناق واللثام . والطيّب غال ، وعادته رديئة . وينبغي لمن كان أيضا عنده ، أن يحرسه ويحفظه من عياله . وأن العطَّار ليختمه على أخص غلمانه به . فلست أرى شيئا هو خير من اتخاذ مشط صندل [3] ، فإن ريحه طيّبة ، والشعر سريع القبول ، وأقل ما يصنع أن ينفي سهك الشيب . قصرنا في حال لا لنا ولا علينا . فكان عطر الحزامي إلى أن فارق الدنيا مشط صندل ، إلا أن يطيّبه صديق .