نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 265
قد كنت أعجب من بعض السلف حيث قال : « ما أعرف شيئا مما كان الناس عليه إلا الأذان » ، وأنا أقول ذلك ، ولم يزل الناس في هبوط ما ترفّعوا بالإسراف وما رفعوا البنيان للمطاولة . وإن من أعجب ما رأيت في هذا الزمان أو سمعت مفاخرة مويس بن عمران لأبي عبيد اللَّه بن سلمان في أيهما كان أسبق الى ركوب البراذين . وما للتاجر وللبرذون [1] ؟ وما ركوب التجار للبراذين إلا كركوب العرب للبقر . لو كانوا إذا جلسوا في الخيوش [2] ، واتخذوا الحمامات في الدور ، وأقاموا وظائف الثلج والريحان ، واتخذوا القيان والخصيان ، استردّ الناس ودائعهم ، واسترجعت القضاة أموال الأيتام والحشرية منهم ، لعادوا الى دينهم وعيشهم . واقتصادهم . وإذا رآهم أصحاب الغلَّات وأهل لشرف والبيوتات أنفوا أن يكونوا دونهم في البزّة والهيئة ، فهلكوا وأهلكوا . زعم أبو يعقوب الخريمي أن جعفر بن يحيى [3] أراد يوما حاجة كان طريقه اليها على باب الأصمعي ، وأنه دفع إلى خادم له كيسا فيه ألف دينار ، وقال له : « سأنزل في رجعتي الى الأصمعي ، وسيحدّثني ويضحكني . فإذا رأيتني قد ضحكت ، فضع الكيس بين يديه » . فلما دخل فرأى حبّا [4] مقطوع الرأس ، وجرّة مكسورة العروة . وقصعة مشعّبة ، وجفنة أعشارا ، ورآه على مصلَّى بال ، وعليه برّ كان [5] أجرد ، غمز غلامه بعينه ألا يضع الكيس بين يديه ، ولا يدفع اليه شيئا . فلم يدع الأصمعي شيئا مما يضحك الثكلان والغضبان إلا أورده عليه ، فما تبسّم .
[1] كانت البراذين من الخيول الغالية الثمينة . [2] الخيوش : اي الخيام . والمفرد الخيش وهي تستعمل لوضع القمح وغيره ايضا . [3] هو جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي ، ولد ونشأ في بغداد ، واستوزره هارون الرشيد . قتل في جملة من قتلهم الرشيد من البرامكة في نقمته عليهم . [4] الحب : الوعاء . الجرة . [5] من الثياب .
265
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 265