نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 230
أموالهم من مواقع السّرف ، ويجنّبونها وجوه التبذير . ودعني مما لا نراه إلا في الأشعار المتكلَّفة والأخبار المولَّدة والكتب الموضوعة ، فقد قال بعض أهل زماننا : « ذهبت المكارم إلا من الكتب » . فخذ فيما تعلم ، ودع نفسك مما لا تعلم . هل رأيت أحدا قط أنفق ماله على قوم كان غناهم سبب فقره أنه سلَّم عليهم حين افتقر فردوا عليه فضلا على غير ذلك ؟ أولست قد رأيتهم بين محمّق [1] ومحتجب عنه ، وبين من يقول : فهلا أنزل حاجته بفلان الذي كان يفضّله ويقدّمه ويؤثره ويخصّه ؟ ثم لعلّ بعضهم أن يتجنّى عليه ذنوبا ليجعلها عذرا في منعه وسببا إلى حرمانه . قال اللَّه جل ذكره : « يوم يكشف عن ساق ويدعون الى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلَّة وقد كانوا يدعون الى السجود وهم سالمون » [2] . فأنا القائم عليك بالموعظة والزّجر والأمر والنهي ، وأنت سالم العقل والعرض ، وافر المال حسن الحال . فاتّق أن أقوم غدا على رأسك بالتقريع والتعبير وبالتوبيخ والتأنيب ، وأنت عليل القلب مختلّ العرض [3] ، عديم من المال سيء الحال . ليس جهد البلاء [4] مدّ الأعناق وانتظار وقع السيوف ، لأن الوقت قصير والحسّ مغمور [5] . ولكنّ جهد البلاء أن تظهر الخلَّة [6] وتطول المدة وتعجز الحيلة ، ثم لا تعدم صديقا مؤنبا وابن عم شامتا ، وجارا حاسدا ، ووليا قد
[1] محمّق : اي الحمق ، فساد الرأي والعقل . [2] يوم يكشف عن ساق : المراد به شدة الأمر . ويقال للأمر الشديد ساق ، اي ان الانسان عندما تعترضه مصاعب « يشمر عن ساقيه » . وهنا كناية عن صعوبة الأمر وحدّته . [3] مختلّ العرض : كثير العيوب . [4] جهد البلاء : غاية ما تصل اليه المصيبة . [5] الحس مغمور : اي ان الاحساس معدوم مستور لصعوبة الأمر . [6] الخلة : الفاقة .
230
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 230