نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 22
وقال بعض الحكماء لرجل اشتد جزعه من بكاء صبيّ له : لا تجزع ، فإنه أفتح لجرمه ، وأصح لبصره . وضرب « عامر بن عبد قيس » [1] بيده على عينه ، فقال : جامدة شاخصة [2] ، لا تندى [3] . وقيل : « لصفوان بن محرز » [4] ، عند طول بكائه ، وتذكَّر أحزانه : « إن طول البكاء يورث العمى » ؛ فقال : « ذلك لها شهادة » فبكى حتى عمي . وقد مدح بالبكاء ناس كثير ، منهم « يحيى البكَّاء » ، و « هيثم البكَّاء » . وكان « صفوان بن محرز » يسمى : « البكاء » . وإذا كان البكاء ( وما دام صاحبه فيه فإنه في بلاء ، وربما أعمى البصر ، وأفسد الدماغ ، ودل على السّخف ، وقضي على صاحبه بالهلع ، وشبّه بالأمة اللكعاء [5] وبالحدث الضّرع ) [6] كذلك ، فما ظنك بالضحك الذي لا يزال صاحبه في غاية السرور ، الى أن ينقطع عنه سببه . ولو كان الضحك قبيحا من الضاحك ، وقبيحا من المضحك ، لما قيل للزهرة والحبرة والحلي والقصر المبنيّ : « كأنه يضحك ضحكا » . وقد قال اللَّه جل ذكره : « وأنه هو أضحك وأبكى وأنه قد أمات وأحيا » ، فوضع الضحك بحذاء الحياة [7] ، ووضع البكاء بحذاء الموت ؛
[1] ممّن اشتهر بالزهد . [2] شاخصة : محّدقة . [3] لا تندى : لا تذرف دما . [4] هو أحد اهل الزهد من غسان تميم ، مات سنة 74 ه . [5] اللكعاء : اللئيمة الخبيثة . [6] الحدث الضّرع : الشاب الضعيف . [7] بحذاء الحياة : ما يحاذيها ، أو بإزائها .
22
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 22