نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 158
بلا زاد . فلو قالوا بدل قولهم : « فلان حسن الأكل » ، « فلان أقبح الناس أكلا » ، كان ذلك صلاحا للفريقين . ولا يزال البخيل على الطعام قد دعا الرغيب [1] البطن ، واتخذ له الطعام الطيّب ، لينفي عن نفسه المقالة ، وليكذّب عن نفسه تلك الظنون . ولو كان شدّة الضرس يعدّ في المناقب [2] ويمدح صاحبه به في المجالس ، لكانت الأنبياء آكل الخلق ، ولخصّهم اللَّه جلّ ذكره من الرغب بما لم يعطه أحدا من العالمين . وكيف وفي مأثور الحديث « إن المؤمن يأكل في معى واحد ، وأن المنافق يأكل في سبعة أمعاء » . أولسنا قد نراهم يشتمون بالنهم وبالرّغب وبكثرة الأكل ، ويمدحون بالزّهادة وبقلَّة الطعم ؟ أوليس قد قال النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : « من أدلَّه على الحسناء القتين [3] » ؟ وقد ساب [4] رجل أيوب بن سليمان بن عبد الملك ، فقال في بعض ما يسبّه : « ماتت أمّك بغرا [5] ، وأبوك بشما [6] » . وبعد فهل سمعتم بأحد قط فخر بشدة أكل أبيه ، فقال : « أنا ابن آكل العرب » ؟ بل قد رأينا أصحاب النبيذ والفتيان يمتدحون بكثرة الشرب ، كما يتدحون لقلَّة الرّزء . وكذلك قالت العرب . قال الشاعر : < شعر > تكفيه فلذة كبد إن الَّم بها من الشّزء ويكفي شربه الغمر < / شعر >
[1] الرغيب : البطن . [2] المناقب : ما عرف به من الاخلاق النبيلة . [3] القتين : الهزيل الضعيف - القليل الأكل . [4] سابّ : شتم . [5] بغرا : الارتواء من الماء والإكثار منه . [6] بشم : أتخم .
158
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 158