نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 133
يصلح عليه المال « دليل على أن الماء يمريء ، حتى قالوا : « إن الماء الذي يكون عليه النفّاطات [1] أمرأ من الماء الذي يكون سليه القيّارات [2] فعليكم بشرب الماء على الغداء ، فإن ذلك أمرأ » . وكان يقول : ما بال الرجل إذا قال : « يا غلام اسقني ماء أو اسق فلانا ماء » ، أتاه بقلة على قدر الريّ ، فإذا قال : « أطعمني شيئا » ، أو قال : « هات لفلان طعاما » ، أتاه من الخبز بما يفضل عن الجماعة ، والطعام والشراب أخوان متحالفان ومتوازران ؟ وكان يقول : لو لا رخص الماء وغلاء الخبز ، لما كلبوا على الخبز وزهدوا [3] في الماء . والناس أشدّ تعظيما للمأكول إذا كثر تمنه ، أو كان قليلا في أصل منبته وموضع عنصره . هذا الجزر الصافي ، وهذا الباقلي الأخضر العباسي ، أطيب من كمثري خراسان ، ومن المؤز البستاني . ولكنهم لقصر همّتهم لا يتشهّون إلا على قدر الثمن ، ولا يحنون الى إلا على قدر القلة وهذه العوام في شهوات الأطعمة إنما تذهب مع التقليد ، أو مع العادة ، أو على قدر ما يعظم عندها من شأن الطعام . وأنا لست أطعم الجزر المسلوق بالخل والزيت والمرّيّ ، دون الكمأة [4] بالزّبد والفلفل ، لمكان الرّخص ، أو لموضع الإستفيضال ، ولكن لمكان طيبه في الحقيقة ، ولأنه صالح للطبيعة . علم ذلك من علم ، وجهل ذلك من جهل . وكان إذا كان في منزله ، فربما دخل عليه الصديق له ، وقد كان تقدّمه الزائر أو الزائران ؛ وكان يستعمل على خوانه من الخدع والمكايد والتدبير ما لم يبلغ بعضه قيس بن زهير [5] ، والمهلب بن أبي صفرة ،
[1] النفّاطات : مفردها نفاطة مستخرج النفط . [2] القيارات : الواحدة قيارة : المكان الذي يخرج منه القار أي الزفت . [3] زهدوا : رغبوا عنه وتركوه . [4] الكمأة : نبات من نوع الفطر يعرف ايضا ب « شحم الأرض » يؤكل مشويا او مطبوخا . [5] هو قيس بن زهير العبسي ، امير قبيلة بني عبس واحد ابطالها
133
نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 133