ولمّا مرض عمر مرضه الذي مات فيه جزع أخوه الحارث جزعا شديدا . فقال له عمر : أحسبك إنما تجزع لما تظنّه بي ، واللَّه ما أعلم أنّي ركبت فاحشة قطَّ ! فقال : ما كنت أشفق عليك إلَّا من ذلك ، وقد سلَّيت عنّي . قال إسحاق : حدّثني مصعب الزّبيريّ قال قال مصعب بن عروة بن الزّبير : خرجت أنا وأخي عثمان إلى مكة معتمرين أو حاجّين ، فلما طفنا بالبيت مضينا إلى الحجر نصلَّي فيه ، فإذا شيخ قد فرج بيني وبين أخي فأوسعنا له . فلما قضى صلاته أقبل علينا فقال : من أنتما ؟ فأخبرناه . فرحّب بنا وقال : يا ابني أخي ، إني موكَّل بالجمال أتبعه ، وإني رأيتكما فراقني حسنكما وجمالكما ، فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه ، ثم قام ، فسألنا عنه فإذا هو عمر بن أبي ربيعة . أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن الضّحّاك قال : عاش عمر أبي ربيعة ثمانين سنة ، فتك منها أربعين سنة ، ونسك أربعين سنة . قال الزّبير وحدّثني إبراهيم بن حمزة ومحمد بن ثابت عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال : حججت / مع أبي وأنا غلام وعليّ جمّة [1] . فلما قدمت مكة جئت عمر بن أبي ربيعة ، فسلَّمت عليه وجلست معه ، فجعل يمدّ الخصلة من شعري ثم يرسلها فترجع على ما كانت عليه ، ويقول : وا شباباه ! حتى فعل ذلك مرارا . ثم قال لي : يابن أخي ، قد سمعتني أقول في شعري : قالت لي وقلت لها ، وكلّ مملوك لي حرّ إن كنت كشفت / عن فرج حرام قطَّ ! فقمت وأنا متشكَّك في يمينه ، فسألت عن رقيقه فقيل لي : أمّا في الحوك [2] فله سبعون عبدا سوى غيرهم . أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثتني ظبية [3] مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت : مررت بجدّك عبد اللَّه بن مصعب وأنا داخلة منزله وهو بفنائه ومعي دفتر ، فقال : ما هذا معك ؟ ودعاني . فجئته وقلت : شعر عمر بن أبي ربيعة . فقال : ويحك ! تدخلين على النساء بشعر عمر بن أبي ربيعة ! إنّ لشعره لموقعا من القلوب ومدخلا لطيفا ، لو كان شعر يسحر لكان هو ، فارجعي به . قالت : ففعلت . [ قال إسحاق ] [4] : وأخبرني الهيثم بن عديّ قال : قدمت امرأة مكة وكانت من أجمل النساء . فبينا عمر بن أبي ربيعة يطوف إذ نظر إليها فوقعت في قلبه ، فدنا منها فكلَّمها ، فلم تلتفت إليه . فلما كان في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها . فقالت له : إليك عنّي يا هذا ، فإنك في حرم اللَّه وفي أيام عظيمة الحرمة . فألَّح عليها يكلَّمها ، حتى خافت أن يشهّرها . فلما كان في الليلة الأخرى قالت لأخيها : اخرج معي يا أخي فأرني المناسك ، فإنّي لست أعرفها ، فأقبلت وهو معها . فلما رآها عمر أراد أن يعرض لها ، فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها ، فتمثّلت المرأة بقول النابغة [5] :
[1] الجمة بالضم : مجتمع شعر الرأس . [2] في ت : « الحول » وفي م ، ء : « الخوك » ولم نعثر عليه . ولعله اسم موضع . [3] في ت : « طيبة » . [4] هاتان الكلمتان ساقطتان من أ ، م ، ء . [5] كذا في ت . وفي سائر النسخ : « جرير » تحريف . وقد ورد هذا البيت في كتاب « شرح الأشعار الستة » للأعلم الشنتمري المخطوط -