الزّهريّ [1] قال : حدّثنا ابن أبي ثابت ، وحدّثني به عليّ [2] بن صالح بن الهيثم عن أبي هفّان عن إسحاق عن المسيّبيّ والزّبيريّ والمدائنيّ ومحمد بن سلَّام ، قالوا : قال أيّوب / بن سيّار ، وأخبرني به الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني محمد بن الحسن المخزوميّ عن عبد العزيز بن عمران عن أيّوب بن سيّار عن عمر الركاء [3] قال : بينا ابن عبّاس في المسجد الحرام وعنده نافع بن الأزرق وناس من الخوارج يسألونه ، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين مورّدين أو ممصّرين [4] حتى دخل وجلس ، فأقبل عليه ابن عباس فقال أنشدنا فأنشده : < شعر > أمن آل نعم أنت غاد فمبكر غداة غد [5] أم رائح فمهجّر < / شعر > حتى أتى على آخرها . فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال : اللَّه يابن عبّاس ! إنّا نضرب إليك أكباد الإبل [6] من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنّا ، ويأتيك غلام [7] مترف من مترفي قريش فينشدك : < شعر > / رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت فيخزى وأمّا بالعشىّ فيخسر < / شعر > فقال : ليس هكذا قال . قال : فكيف قال ؟ فقال : قال : < شعر > رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت فيضحى وأمّا بالعشىّ فيخصر [8] < / شعر > فقال : ما أراك إلا وقد [9] حفظت البيت ! قال : أجل ! وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إيّاها . قال فإنّي أشاء ، فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها . وفي غير رواية عمر بن شبّة : أنّ ابن عباس أنشدها من أوّلها إلى آخرها ، / ثم أنشدها من آخرها إلى أوّلها مقلوبة ، وما سمعها قطَّ إلا تلك المرّة صفحا [10] . قال : وهذا غاية الذكاء . فقال له بعضهم : ما رأيت أذكى منك قطَّ . فقال : لكنّي ما رأيت قطَّ أذكى من عليّ بن أبي طالب - عليه السّلام - . وكان ابن عباس يقول : ما سمعت شيئا قط إلا رويته ، وإني لأسمع صوت النائحة فأسدّ أذنيّ كراهة أن أحفظ ما تقول . قال : ولامه بعض أصحابه في حفظ هذه القصيدة : « أمن آل نعم . . . » فقال : إنّا نستجيدها [11] . وقال الزّبير في خبره عن عمّه : فكان ابن عباس بعد ذلك كثيرا ما يقول : هل أحدث هذا المغيريّ شيئا بعدنا ؟ . قال : وحدّثني عبد اللَّه بن نافع بن ثابت قال :
[1] في ت : « الزبيري » . [2] في ب ، س ، ح ، ر : « بن أبي صالح » . وقد تكرر ذكره كثيرا « علي بن صالح » . [3] لم نعثر على هذا الاسم . ولعله مضاف إلى اسم موضع . وهو كما في ياقوت - بوزن كتاب - موضع عن ابن دريد ، وابن فارس بفتح الراء . أو لعله وصف له من ركا الأرض ركوا إذا حفرها . [4] قال أبو عبيد : الثياب الممصّرة : التي فيها شيء من صفرة ليست بالكثيرة . [5] في م ، ء ، أ ، ب : « أو » . [6] في ت ، ح : « المطىّ » . [7] لم توجد هذه الكلمة إلا في ح ، ب . [8] يضحى : يظهر للشمس . وعارضت : قابلت . والضمير فيه محذوف أي عارضته . ويخصر : يبرد . [9] كذا في ت . وفي سائر النسخ : « إلا قد كنت حفظت . . . » . [10] أي مرورا ؛ يقال : صفحت الجيش على الأمير إذا أمررته عليه . [11] كذا في ت : وفي سائر النسخ : « فقال : إنها أمن آل نعم ، يستجيدها » .