ونهضنا معه ، فإذا نصيب على المنحر [1] من صفر [2] . فلمّا عايننا وعرف أبا عبيدة هبط ؛ فسأله عن أمره ، فأخبره أنه تبع قوما سائرين وأنه وجد آثارهم ومحلَّهم بالفرش فاستولهه ذلك . فضحك به أبو عبيدة والقوم ، وقالوا له : إنما يهتر [3] إذا عشق من انتسب عذريّا ، فأمّا أنت فما لك ولهذا ؟ ! فاستحيا وسكن . وسأله أبو عبيدة : هل قلت في مقامك شعرا ؟ قال : نعم ! وأنشد : < شعر > لعمري لئن أمسيت بالفرش مقصدا ثويّاك [4] عبّود [5] وعدنة [6] أو صفر / ففرّع [7] صبّا أو تيمّم مصعدا لربع قديم العهد ينتكف [8] الأثر دعا أهله بالشأم برق فأوجفوا ولم أر متبوعا أضرّ من المطر لتستبدلن قلبا عينا سواهما وإلا أتى قصدا حشاشتك [9] القدر خليليّ فيما عشتما أو رأيتما هل اشتاق مضرور إلى من به أضرّ نعم ربّما كان الشّقاء متيّحا [10] يغطَّي على سمع ابن آدم والبصر < / شعر > قال : فانصرف به [ أبو عبيدة ] [11] إلى منزله ، وأطعمه وكساه وحمله [12] ، وانصرف وهو يقول : < شعر > أصاب دواء علَّتك الطبيب وخاض [13] لك السّلوّ ابن الرّبيب [14] < / شعر >
[1] كذا في النسخ . ولعله محرّف عن « المنجى » وهو الموضع الذي لا يبلغة السيل . [2] صفر : جبل أحمر من جبال ملل قرب المدينة . وقال الأديبيّ : صفر : جبل بفرش ملل ، كان عنده منزل أبي عبيدة بن عبد اللَّه بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى جد ولد عبد اللَّه بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وبه صخرات تعرف بصخرات أبي عبيدة . [3] أهتر الرجل - بالباء للمفعول وأهتر بالبناء للفاعل نادر - : ذهب عقله من كبر أو مرض أو حزن . [4] كذا في ت ، م . وفي سائر النسخ : < شعر > وبرّح بي وهج بقلبي أو صفر < / شعر > والثويان : مثنى ثويّ وهو المقيم معك في مكان واحد . [5] في ياقوت ، عبود : جبل بين السّيالة وملل له ذكر في « المغازي » . وقيل إنه البريد الثاني من مكة في طريق بدر . [6] في م ، ت : « وعدته » بالتاء وهو مصحف عن عدنه . وعدنه ( بضم أوّله وسكون ثانيه ) : ثنيّة قرب ملل لها ذكر في « المغازي » . [7] كذا في ت . وفرّع في الجبل وأفرع : انحدر ، قال الشماخ : < شعر > فإن كرهت هجائي فاجتنب سخطي لا يدركنك إفراعي وتصعيدي < / شعر > وصبا ، الظاهر أنها هنا مصدر من صب اللازم ، لا وصف من الصبابة ، يقال : صب في الوادي ، إذا انحدر فيه . وفي ر : « يفزع صبا أو سقيما مصعدا » . وفي م : « يفرع صبا أو هما مصعدا » . ويظهر أن كليهما محرّف عن الأوّل . وفي سائر النسخ : < شعر > وجمت شجوني واستهلت مدامعي < / شعر > يريد : كثرت أحزاني وتتابعت دموعي . [8] انتكف الأثر : تتبّعه في مكان سهل ، وذلك لأن الأثر لا يتبين في الأرض الغليظة الصلبة . [9] الحشاشة : رمق بقية من حياة . [10] متيحا : مقدّرا . ولم نجد هذه الصيغة من هذه المادة ، وإنما الموجود أتاحه له اللَّه : قدّره ، وتاح له الأمر : قدر عليه . وفي ت : « موكلا » . [11] زيادة في ت ، م ، ر . [12] حمله هنا : أتى له بما يركبه في سفره ، قال تعالى : * ( ( ولا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْه ِ ) ) * . [13] خاض الشراب : خلطه وحرّكه . وانظر الكلام على السلوة في الحاشية رقم 6 ص 322 من هذا الجزء . [14] يريد بابن الربيب أبا عبيدة بن عبد اللَّه بن زمعة .