للملوك ، وأمّا أنا فقد قلت ما سمعت . فقلت له : إنّ الناس يزعمون أنك لا تحسن أن تهجو . فضحك ثم قال : أفتراهم يقولون : إنّي لا [1] أحسن أن أمدح ؟ فقلت لا . فقال : أفما تراني أحسن أن أجعل مكان عافاك اللَّه / أخزاك اللَّه ؟ قال قلت بلى . قال : فإنّي رأيت الناس رجلين : إمّا رجل [2] لم أسأله شيئا فلا ينبغي أن أهجوه فأظلمه ، وإمّا رجل سألته فمنعني فنفسي كانت أحقّ بالهجاء ، إذ سوّلت لي أن سأله وأن أطلب ما لديه . نصيب وكثير والأحوص في مجلس امرأة من بني أميّة أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني عبد اللَّه بن إسماعيل بن أبي عبيد [3] اللَّه كاتب المهديّ قال : وجدت في كتاب أبي بخطَّه : حدّثني أبو يوسف التّجيبيّ [4] قال حدّثني إسماعيل بن المختار مولى آل طلحة وكان شيخا كبيرا قال : حدّثني النّصيب أبو محجن أنه خرج هو وكثيّر والأحوص غبّ يوم أمطرت فيه السماء ، فقال : هل لكم في أن نركب جميعا فنسير حتّى نأتي العقيق فنمتّع فيه أبصارنا ؟ فقالوا نعم . فركبوا أفضل ما يقدرون عليه من الدّوابّ ، ولبسوا أحسن ما يقدرون عليه من الثياب ، وتنكَّروا ثم ساروا حتّى أتوا العقيق ، فجعلوا يتصفّحون [5] ويرون بعض ما يشتهون ، حتّى رفع لهم سواد عظيم فأمّوه حتى أتوه ، فإذا وصائف ورجال من الموالي ونساء بارزات ، فسألنهم أن ينزلوا ، فاستحيوا أن يجيبوهنّ من أوّل وهلة ، فقالوا : لا نستطيع أو نمضي في حاجة لنا . فحلَّفنهم أن يرجعوا إليهنّ ، ففعلوا وأتوهنّ ، فسألنهم النزول فنزلوا . ودخلت امرأة من النساء / فاستأذنت لهم ، فلم تلبث أن جاءت المرأة فقالت : ادخلوا . فدخلنا على امرأة جميلة برزة على فرش لها ، فرحّبت وحيّت ، وإذا كراسيّ موضوعة ، فجلسنا جميعا في صفّ واحد كلّ إنسان على كرسيّ . فقالت : إن أحببتم أن ندعو بصبيّ لنا فنصيّحه ونعرك [6] أذنه فعلنا ، وإن شئتم بدأنا بالغداء [7] . فقلنا : بل تدعين بالصبيّ ولن يفوتنا الغداء . فأومأت بيدها إلى بعض الخدم ، فلم يكن إلا كلا ولا [8] حتّى جاءت جارية جميلة قد
[1] في ح ، ر : « أفتراهم يقولون : إني أحسن أن أمدح فقلت : نعم » . [2] كذا في أكثر النسخ : « رجل » بالرفع على أنه خبر لمبتدأ ومحذوف والتقدير : هما إما رجل الخ وفي ح ، ر : إما رجلا بالنصب على أنه بدل مما قبله . [3] في ح ، ر : « عبد اللَّه بن أبي إسماعيل بن أبي عبد اللَّه » . وفي م ، ء ، أ : « عبد اللَّه بن إسماعيل بن أبي عبيد » . وكلاهما تحريف ، إذ هو أبو عبيد اللَّه الدمشقي الحافظ معاوية بن عبيد اللَّه بن يسار الأشعريّ كاتب المهديّ . ( انظر « تهذيب التهذيب » في ترجمة معاوية بن صالح بن الوزير ، وابن جرير الطبريّ طبع أوروبا القسم الثالث ص 351 و 352 و 355 ) . [4] نسبة إلى تجيب ، وهي قبيلة من كندة . والتجيبيون أمهم تجيب بنت ثوبان بن سليم بن رها من مذحج . وفي أ ، ت : « الحسى » وفي م : « الحسيّ » . وفيء : « الحتبي » . ولعل كل ذلك محرّف عن الحيني نسبة إلى مدينة حينة ، ذكره الحافظ الذهبيّ وقال : لا أعرفه . ( انظر « شرح القاموس » مادة حين ) . [5] تصفحت الشيء : نظرت إليه لأتعرّفه . [6] عرك الأذن : دلكها . وهي تقصد العود . [7] الغداء : طعام أوّل النهار ضدّ العشاء . [8] قال في « اللسان » ( مادة لا ) : والعرب إذا أرادوا تقليل مدة فعل أو ظهور شيء خفي قالوا : كان نعله كلا ، وربما كرروا فقالوا : كلا ولا . ومن الأول قوله : < شعر > أصاب خصاصة فبدا كليلا كلا وانغلّ سائره انغلالا < / شعر > ومن الثاني : < شعر > يكون نزول القوم فيها كلا ولا < / شعر >