قال أبو أيّوب المديني : توفّي ابن سريج بالعلَّة التي أصابته من الجذام بمكة ، في خلافة سليمان بن عبد الملك أو في آخر خلافة الوليد ، بمكة ودفن في موضع بها يقال له دسم [1] . وقفة على قبر ابن سريج بدسم أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال أخبرني هارون [2] بن أبي بكر قال حدّثني إسحاق بن يعقوب العثمانيّ مولى آل عثمان عن أبيه قال : إنّا لبفناء دار عمرو [3] بن عثمان بالأبطح في صبح خامسة من الثّمان - يعني / أيام الحجّ - قال : كنت جالسا أيام الحجّ ، فما إن دريت إلا برجل على راحلة على رحل جميل وأداة حسنة ، معه صاحب له على راحلة قد جنب إليها فرسا وبغلا ، فوقفا عليّ وسألاني ، فانتسبت لهما عثمانيّا . فنزلا وقالا : رجلان من أهلك لهما حاجة ونحبّ أن تقضيها قبل أن نشده [4] بأمر الحجّ . فقلت ما حاجتكما ؟ قالا ؟ نريد إنسانا يقفنا [5] على قبر عبيد بن سريج . قال : فنهضت معهما حتى بلغت بهما محلَّة بني أبي قارة [6] من خزاعة بمكة ، وهم موالي عبيد بن سريج ، فالتمست لهما إنسانا يصحبهما حتّى / يقفهما على قبره بدسم ، فوجدت ابن أبي دباكل [7] فأنهضته معهما . فأخبرني بعد : أنه لمّا وقفهما [8] على قبره نزل أحدهما عن راحلته فحسر عمامته عن وجهه ، فإذا هو عبد اللَّه بن سعيد بن عبد الملك بن مروان ، فعقر ناقته واندفع يندبه بصوت شجيّ كليل حسن ويقول : < شعر > وقفنا على قبر بدسم فهاجنا وذكَّرنا بالعيش إذ هو مصحب [9] فجالت بأرجاء الجفون سوافح من الدّمع تستتلي الذي يتعقّب إذا أبطأت عن ساحة الخدّ ساقها دم بعد دمع إثره يتصبّب فإن تسعدا نندب عبيدا بعولة [10] وقلّ له منّا البكا والتّحوّب [11] < / شعر > ثم نزل صاحبه فعقر ناقته ، وقال له القرشيّ : خد في صوت أبي يحيى ؛ فاندفع يتغنّى [12] :
[1] دسم : موضع قرب مكة ، كما في « ياقوت » . [2] كذا في ت ، ح ، ر . وفي سائر النسخ : « أخبرني أخي هارون بن أبي بكر » . [3] في ت ، ر : « عمر » . [4] نشده أي نشغل . [5] كذا في ت ، ح ، ر وفي سائر النسخ : « يوقفنا » وهما لغتان ، والثلاثي أفصح ، بل قيل إن الرباعي غير مسموع ، وقيل إنه غير فصيح . ( انظر « القاموس » و « شرحه » للمرتضى مادة وقف ) . [6] في ر : « بني قارة » وفي ب ، أ ، ء : « بني أبي فارة » . وفي ت ، ح : « بني فارة » . [7] كذا ضبطه في « شرح القاموس » ( مادة دبكل ) وقال : إنه شاعر خزاعيّ من شعراء الحماسة ، ومعناه الغليظ الجلد السمج . وقال التبريزي في « شرح الحماسة » طبع أوروبا ص 594 : إنه علم مرتجل وليس منقولا من جنس . [8] كذا في ت ، ح ، ر ، م . وفي سائر الأصول : « أوقفهما » . [9] المصحب : الذليل المنقاد بعد صعوبة . [10] يقال : أعول وعوّل ، إذا رفع صوته بالبكاء والصياح ، والاسم منه العول والعولة والعويل . [11] التحوّب : التوجع . وفي ح ، ر ، ب ، س : « التنحب » من النحيب وهو أشدّ البكاء . ولم نجد هذه الصيغة من هذه المادة في « كتب اللغة » . [12] الشعر لكثير بن كثير بن الصلت السهمي ، كما في « ياقوت » مادتي الحصاب والسباب .