أرسلتني أمّي وأنا غلام أسأل عطاء بن أبي رباح عن مسألة ، فوجدته في دار يقال لها دار المعلَّى - وقال أبو أيّوب في خبره : دار المقلّ [1] - وعليه ملحفة معصفرة ، وهو جالس على منبر وقد ختن ابنه والطعام يوضع بين يديه وهو يأمر به أن يفرّق في الخلق [2] ، فلهوت مع الصّبيان ألعب بالجوز حتى أكل القوم وتفرّقوا وبقي مع عطاء خاصّته ، فقالوا : يا أبا محمد لو أذنت لنا فأرسلنا إلى الغريض وابن سريج ! فقال : ما شئتم ، فأرسلوا إليهما . فلمّا أتيا قاموا معهما وثبت عطاء في مجلسه فلم يدخل ، فدخلوا بهما بيتا في الدار ، فتغنّيا وأنا أسمع . فبدأ ابن سريج فنقر بالدفّ وتغنّى بشعر كثيّر : < شعر > بليلى [3] وجارات لليلى كأنّها نعاج الملا [4] تحدى بهن الأباعر أمنقطع يا عزّ ما كان بيننا وشاجرني يا عزّ فيك الشّواجر [5] إذا قيل هذا بيت عزّة قادني إليه الهوى واستعجلتني البوادر [6] أصدّ وبي مثل الجنون لكي يرى رواة الخنا أنّي لبيتك هاجر < / شعر > فكأن القوم قد نزل عليهم السّبات [7] ، وأدركهم الغشي فكانوا كالأموات [8] ، ثم أصغوا / إليه بآذانهم وشخصت إليه أعينهم [9] وطالت أعناقهم . ثم غنّى الغريض بصوت أنسيته / بلحن آخر . ثم غنّى ابن سريج وأوقع بالقضيب ، وأخذ الغريض الدّفّ فغنّى بشعر الأخطل : < شعر > فقلت اصبحونا [10] لا أبا لأبيكم وما وضعوا الأثقال إلا ليفعلوا وقلت اقتلوها عنكم بمزاجها فأكرم بها مقتولة حين تقتل أناخوا فجرّوا شاصيات [11] كأنها رجال من السّودان لم يتسربلوا < / شعر > فو اللَّه ما رأيتهم تحرّكوا ولا نطقوا إلا مستمعين لما يقول . ثم غنّى الغريض بشعر آخر وهو : < شعر > هل تعرف الرّسم والأطلال والدّمنا زدن الفؤاد على ما عنده [12] حزنا دار لصفراء [13] إذ كانت تحلّ بها وإذ ترى الوصل فيما بيننا حسنا < / شعر >
[1] في ح ، ر : « وقال أبو أيوب في حجرة دار المعلى » . [2] في ح : « الخلق » جمع حلقه وهي حلقة القوم . قال أبو عبيد : أختار في حلقة القوم إسكان اللام ويجوز التحريك ، بعكس حلقة الحديد . [3] في ح ، ر : « لليلى » باللام . [4] الملا : الصحراء . وفي ح ، ر : « الفلا » . [5] الشواجر : جمع شاجرة ؛ يقال : شجرة عن الأمر ، إذا صرفه عنه . يريد : أينقطع ما بيننا وقد نازعتى فيك الصوارف . [6] البوادر : الدموع . [7] السبات : نوم خفيّ كالغشية . [8] في ت ، ح ، ر : « نزل عليهم السبات فما تسمع حسّا وأصغوا الخ » . [9] في ت ، ح ، ر : « أحداقهم » . [10] أصبحونا : إيتونا بالصبوح وهو ما يشرب في الغداة إلى القائلة . [11] الشاصيات ، أنظر شرح المؤلف لها في صفحة 285 . [12] في « ديوان عمر » : « على علَّاته » . [13] في « ديوان عمر بن أبي ربيعة » المطبوع بلبيزج والنسخة المخطوطة التيمورية : « دار لأسماء » .