بينا أنا منذ أعوام جالس ، إذ أتاني خالد الخرّيت ، فقال لي : يا أبا الخطَّاب ، مرّت بي أربع نسوة قبيل [1] العشاء يردن موضع كذا وكذا لم أر مثلهن في بدو ولا حضر ، فيهنّ هند بنت الحارث المرّيّة ، فهل لك أن تأتيهنّ متنكَّرا فتسمع من حديثهنّ وتتمتّع بالنظر إليهنّ ولا يعلمن من أنت ؟ فقلت له : ويحك ! وكيف لي أن أخفي نفسي ؟ قال : تلبس لبسة أعرابيّ ثم تجلس على قعود [ ثم ائتهنّ فسلَّم عليهنّ [2] ] ، فلا يشعرن إلَّا بك قد هجمت [3] عليهنّ . ففعلت ما قال ، وجلست على قعود ، ثم أتيتهنّ فسلَّمت عليهنّ ثم وقفت بقربهنّ . فسألنني أن أنشدهنّ وأحدّثهنّ ، فأنشدتهنّ لكثيّر وجميل والأحوص ونصيب وغيرهم . فقلن لي : ويحك يا أعرابيّ ! ما أملحك وأظرفك ! لو نزلت فتحدّثت معنا / يومنا هذا ! فإذا أمسيت انصرفت في حفظ اللَّه . قال : فأنخت بعيري ثم تحدّثت معهنّ وأنشدتهنّ ، فسررن بي وجذلن بقربي وأعجبهنّ حديثي . قال : ثم أنهنّ تغامزن وجعل بعضهنّ يقول لبعض : كأنّا نعرف هذا الأعرابيّ ! ما أشبهه بعمر بن أبي ربيعة ! فقالت إحداهنّ : فهو [4] واللَّه عمر ! فمدّت هند يدها فانتزعت عمامتي فألقتها عن رأسي ثم قالت لي : هيه [5] يا عمر ! أتراك خدعتنا منذ اليوم ! / بل نحن واللَّه خدعناك واحتلنا عليك بخالد ، فأرسلناه إليك لتأتينا في أسوأ هيئة ونحن كما ترى . قال عمر : ثم أخذنا في الحديث ، فقالت هند : ويحك يا عمر ! اسمع منّي ، لو رأيتني منذ أيام وأصبحت عند أهلي ، فأدخلت رأسي في جيبي ، فنظرت إلى حري فإذا هو ملء الكفّ ومنية المتمنّي ، فناديت يا عمراه يا عمراه ! قال عمر : فصحت يا لبّيكاه يا لبّيكاه ! ثلاثا ومددت في الثالثة صوتي ، فضحكت . وحادثتهنّ ساعة ، ثم ودّعتهنّ وانصرفت . فذلك قولي : صوت < شعر > عرفت مصيف الحيّ والمتربّعا [6] ببطن حليّات دوارس بلقعا إلى السّفح [7] من وادي المغمّس بدّلت معالمه وبلا ونكباء زعزعا لهند وأتراب لهند إذ الهوى جميع وإذ لم نخش أن يتصدّعا وإذ نحن مثل الماء كان مزاجه كما [8] صفّق [9] الساقي الرحيق المشعشعا وإذا لا نطيع الكاشحين [10] ولا نرى لواش لدينا يطلب الصّرم موضعا [11] < / شعر >
[1] كذا في م ، أ ، وفي ت ، ح ، ر : « قبيل » . وفي باقي النسخ : « قبل العشاء » . [2] زيادة في ت ، أ ، ء ، م . [3] في ت : « قد نجمت » ؛ يقال : نجم بمعنى طلع وظهر . [4] في ت : « هو » . [5] كذا في ب ، س ، ء . وفي ت : « هية باللَّه يا عمر » . وفي ح ، ر : « باللَّه يا عمر » . [6] راجع الحاشية رقم 1 ص 131 . [7] ورد هذا البيت في ص 131 : « إلى السرح » في جميع النسخ . [8] كذا في « ديوانه » . وفي الأصول كلها : « إذا » . [9] صفق الشراب : مزجه . [10] في « ديوانه » : « العاذلين » . [11] في « الديوان » ، ح ، ت ، ر ، : « مطعما » .