نام کتاب : الثابت والمتغير في المعرفة الدينية نویسنده : دكتور على العلي جلد : 1 صفحه : 28
نجد أنّ من يرى مثل هذه المتبنيّات هو في واقع الأمر لم يحفّز نحو الكمال ، بل قاد إلى الانحطاط حتّى أخرج من تلقّى ذلك عن دائرة الشريعة ، خصوصاً إذا علمنا أنّ المتلقّي لا يمتلك غطاءً كافياً يحصّنه ، أو يدعم تفاعلات أفكاره مع هذا المزيج الجديد الذي يلقى على عواهنه . ومن حسن ظنّنا بالمتبنّي لهذه الأفكار والمدّعيات فإنّنا نجد أنّ النتيجة ترسم لنا فئة تلقّت فلم تتّجه نحو المتبنّي والطارح للفكرة ، بل خرجت عن دائرة الشريعة ودائرة صاحب الأفكار مع تفاوت ذلك من فرد لآخر ، وهذه نتيجة طبيعيّة لمثل هذه الإفرازات التي تلقى في غير محلّها ، ومن دون وجود الطرف المعنيّ بالتعامل معها وردّها ، لذا فمن الحكمة والإنصاف إن كان ثمّة مجال لطرح هذه المتبنّيات مع غضّ النظر عمّا يحمله صاحبها من نقاء أو غيره في سريرته أن يتعامل معها بصورة علميّة فيطرحها في ساحتها وبين حَمَلَة فكرها ومؤسِّسي مناهجها ومتبنّي نتائجها ومحتوياتها ، لا أن تلقى هكذا من دون دراية وتعقّل في أيّ جهة ، وفي أيّ محفل ، وعلى أيّ متلّقٍ [1] مع الأخذ بعين
[1] ولو أردنا أن نلحظ الأمانة العلميّة فإنّه يقتضي بنا أن نحترم فكر الآخر ونناقشه وإن خالفنا في الأسس بعد الإلمام بها ، وإدراك أبعادها على وفق أصول البحث العلمي ، حيث نرى أسس تلك العلوم ونتلقّاها على وفق أصول تلقّيها ونخاطب المعنيّ بها و بأسسها حتّى نجد مجالاً للبحث العلمي يحترم الكيان والفكر العلمي للطرفين ، يمتلك الباحث في نقده أخلاق البحث وأصوله . وقد يتوهّم البعض أنّ ما يُثار يحمل نيّات صادقة وآمالاً إنسانيّة تحمل البراءة في جميع مفاصلها وتشعّباتها ؛ لذا لا داعي لإثارة مثل هذه الردود في المقابل مع إدراك سلامة النوايا وقدسيّتها ، وفي هذا نقول : إنّ الأمر ليس كذلك وذلك للأسباب الآتية : أوّلاً : إنّنا لسنا بصدد تقييم النوايا وباطن الباحث من جهة براءة التساؤل ، وإن كان هناك من يريد أن يغلّف مثل هذه الأطروحات بنوع من البراءة ، ليس لي أن أحكم على مدى عمقها أو سطحيّتها ؛ إذ لستُ معنيّاً في طرحها وتحليلها وإن كان هناك إصرار على التأكيد عليها ، فمثلاً : تتكرّر في محاضرات البعض مثل هذه الأمور ، كالقول - مثلاً - نحن نطرح ذلك طالبين للخير والصلاح ، أو نحن نطرح ذلك لا لشيء ، بل لأجل التساؤل ؟ أو نحن لسنا نقصد الإثارات المضلّلة ، بل نرسم علامات استفهام بريئة ، أو غير ذلك من العبائر التي تحاكي هذه المداليل ، والتي تثير أمامنا نوعاً من التساؤل حول المراد منه ؟ وهل هذا وقع دخل مقدّر ؟ وهل هو نوع من تبرئة الذات المسبقة ؟ أو هو نوع من تزكية الذات الذي لا نعلم سبب إثارته الآن ، مع الأخذ بنظر الاعتبار قوله تعالى في سورة النجم : الآية 32 ( فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ( في النتيجة أيّاً كان الطرفان فإنَّ ما نتناوله لا مجال لتناول عرض النوايا من خلاله ، خصوصاً لمدّعي الطرح الموضوعي . ثانياً : كلّ منّا يقع في المنهج - وليس في النوايا - ومدى سلامته ، وبُعده الفكري ، والعلمي ، وأسسه الموضوعيّة ؛ لذا في حال معالجة هذه الأطروحات نحن نتناولها من جهة البُعد المنهجي والأسس العلميّة والمعرفيّة لذلك ، لا أن نتعامل مع النوايا ، صرّح بنوعها أم لم يصرّح . ثالثاً : هناك بُعد تربويّ ينبغي أن نحرص عليه عندما نتعامل مع المادّة العلميّة يلحظ فيه المقابل ، ومداه التربوي والثقافي والعلمي ، ومدى التأثير المتوقّع سلباً أو إيجاباً . رابعاً : لو لم نأخذ بكل ما تقدّم فليس هنا إقحام أو جبر أو طرح أطروحات تثير التساؤل بشكل عنيف ، أو توجد ردود فعل معاكسة ، أو لنقل أجواء التهمة والريبة ، ونضعه في دائرة التّهمة ، خصوصاً الإنسان الذي يحرص على بناء ذاته ومجتمعه نحو الكمال العلمي والتربوي ؛ إذ يحرص على الاتّزان والتأنّي في الإلقاء والتلقّي .
28
نام کتاب : الثابت والمتغير في المعرفة الدينية نویسنده : دكتور على العلي جلد : 1 صفحه : 28