وقد استدلوا [1] على ذلك بوجوه [2] : أوجهها أن الممكن لو لم يكن ممكنا في الأعيان لكان إما واجبا فيها أو ممتنعا فيها ، فيكون الممكن ضروري الوجود أو ضروري العدم ، هذا محال . ويرده [3] : أن الاتصاف بوصف في الأعيان لا يستلزم تحقق الوصف فيها بوجود منحاز مستقل ، بل يكفي فيه أن يكون موجودا بوجود موصوفه . والإمكان من المعقولات الثانية الفلسفية التي عروضها في الذهن والاتصاف بها في الخارج ، وهي موجودة في الخارج بوجود موضوعاتها . وقد تبين مما تقدم أن الإمكان معنى واحد مشترك كمفهوم الوجود . تنبيه : [ في أقسام الضرورة ] تنقسم الضرورة إلى ضرورة أزلية ، وهي : كون المحمول ضروريا للموضوع لذاته من دون أي قيد وشرط حتى الوجود ، وتختص بما إذا كانت ذات الموضوع وجودا قائما بنفسه بحتا لا يشوبه عدم ولا تحده ماهية ، وهو الوجود الواجبي ( تعالى وتقدس ) فيما يوصف به من صفاته التي هي عين ذاته . وإلى ضرورة ذاتية ، وهي : كون المحمول ضروريا للموضوع لذاته مع الوجود لا بالوجود ، كقولنا : ( كل إنسان حيوان بالضرورة ) [4] فالحيوانية ذاتية للإنسان ضرورية له ما دام موجودا ومع الوجود ، ولولاه لكان باطل الذات ، لا إنسان ولا حيوان . وإلى ضرورة وصفية ، وهي : كون المحمول ضروريا للموضوع لوصفه ، كقولنا : ( كل كاتب متحرك الأصابع بالضرورة ما دام كاتبا ) . وإلى ضرورة وقتية [5] ، ومرجعها
[1] أي القائلين بأن للإمكان وجودا في الخارج منحازا مستقلا . [2] تعرض لها صدر المتألهين في الأسفار ج 1 ص 178 - 179 . [3] هكذا رده صدر المتألهين في الأسفار ج 1 ص 180 . [4] وكقولنا : ( الإنسان إنسان بالضرورة ) وقولنا : ( الأربعة زوج بالضرورة ) . [5] كقولنا : ( كل قمر منخسف بالضرورة وقت الحيلولة ) ، وقولنا : ( كل إنسان متنفس بالضرورة وقتا ما ) .