وأيضا نتصور أمورا عدمية غير موجودة في الخارج ، كالعدم المطلق والمعدوم المطلق واجتماع النقيضين وسائر المحالات ، فلها ثبوت ما عندنا لاتصافها بأحكام ثبوتية كتميزها من غيرها وحضورها لنا بعد غيبتها عنا وغير ذلك ، وإذ ليس هو الثبوت الخارجي لأنها معدومة فيه ففي الذهن . ولا نرتاب أن جميع ما نعقله من سنخ واحد ، فالأشياء كما أن لها وجودا في الخارج ذا آثار خارجية ، لها وجود في الذهن لا تترتب عليها فيه تلك الآثار الخارجية ، وإن ترتبت عليها آثار أخر غير آثارها الخارجية الخاصة . ولو كان هذا الذي نعقله من الأشياء هو عين ما في الخارج ، كما يذهب إليه القائل بالإضافة [1] ، لم يمكن تعقل ما ليس في الخارج كالعدم والمعدوم ، ولم يتحقق خطأ في علم . ولو كان الموجود في الذهن شبحا للأمر الخارجي ، نسبته إليه نسبة التمثال إلى ذي التمثال ، ارتفعت العينية من حيث الماهية ولزمت السفسطة ، لعود علومنا جهالات ، على أن فعلية الانتقال من الحاكي إلى المحكي تتوقف على سبق علم بالمحكي ، والمفروض توقف العلم بالمحكي على الحكاية . ولو كان كل علم مخطئا في الكشف عما وراءه لزمت السفسطة وأدى إلى المناقضة ، فإن كون كل علم مخطئا يستوجب أيضا كون هذا العلم بالكلية مخطئا فيكذب ، فيصدق نقيضه وهو كون بعض العلم مصيبا . فقد تحصل أن للماهيات وجودا ذهنيا لا تترتب عليها فيه الآثار كما أن لها وجودا خارجيا تترتب عليها فيه الآثار . وتبين بذلك انقسام الموجود إلى خارجي وذهني . وقد تبين بما مر أمور : الأمر الأول : أن الماهية الذهنية غير داخلة ولا مندرجة تحت المقولة التي
[1] والقائل بها هو فخر الدين الرازي في المباحث المشرقية ج 1 ص 331 .