وذلك أن الأشياء - كما نقل عن المعلم الأول [1] - من حيث الخيرات والشرور المنتسبة إليها على خمسة أقسام : إما خير محض ، وإما شر محض ، وإما خيرها غالب ، وإما شرها غالب ، وإما متساوية الخير والشر . والموجود من الأقسام الخمسة قسمان ، هما : الأول الذي هو خير محض ، وهو الواجب ( تعالى ) الذي يجب وجوده وله كل كمال وجودي وهو كل الكمال ، ويلحق به المجردات التامة ، والثالث الذي خيره غالب ، فإن العناية الإلهية توجب وجوده ، لأن في ترك الخير الكثير شرا كثيرا . وأما الأقسام الثلاثة الباقية ، فالشر المحض هو العدم المحض الذي هو بطلان صرف لا سبيل إلى وجوده ، وما شره غالب وما خيره وشره متساويان تأباهما العناية الإلهية التي نظمت نظام الوجود على أحسن ما يمكن وأتقنه . وأنت إذا تأملت أي جزء من أجزاء الكون وجدته أنه لو لم يقع على ما وقع عليه بطل بذلك النظام الكوني المرتبط بعض أطرافه ببعض من أصله وكفى بذلك شرا غالبا في تركه خير غالب . وإذ تبين أن الشرور القليلة التي تلحق الأشياء من لوازم الخيرات الكثيرة التي لها ، فالقصد والإرادة تتعلق بالخيرات بالأصالة وبالشرور اللازمة لها بالتبع وبالقصد الثاني . ومن هنا يظهر أن الشرور داخلة في القضاء الإلهي بالقصد الثاني . وإن شئت قلت : ( بالعرض ) ، نظرا إلى أن الشرور أعدام ، لا يتعلق بها قصد بالذات [2] . الفصل التاسع عشر في ترتيب أفعاله وهو نظام الخلقة قد اتضح بالأبحاث السابقة أن للوجود الامكاني - وهو فعله ( تعالى ) -
[1] نقله عنه صدر المتألهين في تعليقاته على شرح حكمة الاشراق ص 521 . [2] راجع شرح الإشارات ج 3 ص 320 - 321 ، والمباحث المشرقية ج 2 ص 519 - 522 ، والأسفار ج 7 ص 72 - 77 ، والنجاة ص 284 - 290 .