مقصود بالقصد الثاني ولم يتعلق القصد الأول إلا بالخير ، على أنه سيتضح أيضا [1] أن الوجود - من حيث إنه وجود - خير لا غير ، وإنما الشرور ملحقة ببعض الوجودات ، فالذي يفيضه الواجب من الفعل وجوده الخير بذاته الطاهرة في نفسه ، وما يلازمه من النقص والعدم لوازم تميزه في وجوده ، والتميزات الوجودية لولاها لفسد نظام الوجود ، فكان في ترك الشر القليل بطلان الخير الكثير الذي في أجزاء النظام . وذهب جمع آخر من المتكلمين - وهم الأشاعرة ومن تبعهم [2] - إلى أن كل ما هو موجود غير الواجب بالذات من ذات أو صفة أو فعل فهو بإرادة الواجب بالذات من غير واسطة فالكل أفعاله ، وهو الفاعل ، لا غير . ولازم ذلك : أولا : ارتفاع العلية والمعلولية من بين الأشياء وكون استتباع الأسباب للمسببات لمجرد العادة ، أي إن عادة الله جرت على الإتيان بالمسببات عقيب الأسباب من غير تأثير من الأسباب في المسببات ولا توقف من المسببات على الأسباب . وثانيا : كون الأفعال التي تعد أفعالا اختيارية أفعالا جبرية لا تأثير لإرادة فواعلها ولا لاختيارهم فيها . ويدفعه : أن انتساب الفعل إلى الواجب ( تعالى ) بالإيجاد لا ينافي انتسابه إلى غيره من الوسائط ، والانتساب طولي لا عرضي - كما تقدم توضيحه [3] - . وحقيقة وساطة الوسائط ترجع إلى تقيد وجود المسبب بقيود مخصصة لوجوده ، فإن ارتباط الموجودات بعضها ببعض عرضا وطولا يجعل الجميع واحدا يتقيد بعض
[1] راجع الفصل الثامن عشر من هذه المرحلة . [2] راجع الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة ص 155 ، ومذاهب الإسلاميين ج 1 ص 555 ، والفرق بين الفرق ص 275 ، والملل والنحل ص 96 ، واللمع ص 69 - 91 . واستدلوا عليه بوجوه ذكرها المحقق الشريف تبعا للعلامة الإيجي في شرح المواقف ص 515 - 520 ، والعلامة التفتازاني في شرح المقاصد ج 2 ص 125 - 143 . وتبعهم هشام بن الحكم من الرافضة ، راجع مقالات الإسلاميين ج 1 ص 110 ، والحسين بن محمد النجار كما في الفرق بين الفرق ص 155 ، ومقالات الإسلاميين ج 1 ص 315 . [3] حيث قال : ( وفاعلية الواجب ( تعالى ) في طول فاعلية الإنسان ) .