وإذا أخذ هذا المعنى حقيقيا بالتحليل غير اعتباري ، انطبق على الوجوب الذي يتلبس به الموجودات الممكنة من حيث نسبتها إلى عللها التامة ، فإن الشئ ما لم يجب لم يوجد ، وهذا الوجوب الغيري من حيث نسبته إلى العلة التامة إيجاب ، ولا شئ في سلسلة الوجود الامكاني إلا وهو واجب موجب بالغير ، والعلل تنتهي إلى الواجب بالذات ، فهو العلة الموجبة لها ولمعلولاتها . وإذ كانت الموجودات الممكنة بما لها من النظام الأحسن في مرتبة وجوداتها العينية علما فعليا للواجب ( تعالى ) ، فما فيها من الايجاب قضاء منه ( تعالى ) . وفوقه العلم الذاتي منه المنكشف له به كل شئ على ما هو عليه في الأعيان على التفصيل بنحو أعلى وأشرف . فالقضاء قضاءان : قضاء ذاتي خارج من العالم ، وقضاء فعلي داخل فيه . ومن هنا يظهر ضعف ما نسب إلى المشهور [1] أن القضاء هو ما عند المفارقات العقلية من العلم بالموجودات الممكنة بما لها من النظام . وكذا ما ذهب إليه صدر المتألهين رحمه الله ، أن القضاء هو العلم الذاتي المتعلق بتفاصيل الخلقة ، قال في الأسفار : ( وأما القضاء فهو عندهم عبارة عن وجود الصور العقلية لجميع الموجودات فائضة عنه ( تعالى ) على سبيل الابداع دفعة بلا زمان ، لكونها عندهم من جملة العالم ومن أفعال الله المباينة ذواتها لذاته ، وعندنا صور علمية لازمة لذاته بلا جعل ولا تأثير وتأثر ، وليست من أجزاء العالم ، إذ ليست لها حيثية عدمية ولا إمكانات واقعية . فالقضاء الرباني وهو صورة علم الله قديم بالذات باق ببقاء الله ) [2] - انتهى . وينبغي أن يحمل قوله : ( صور علمية لازمة لذاته ) على العلم الذاتي الذي لا ينفك عن الذات ، وإلا فلو كانت لازمة خارجة كانت من العالم ولم تكن قديمة بالذات - كما صرح بذلك - على أنها لو كانت حضورية انطبقت على قول
[1] نسب إليهم في الأسفار ج 6 ص 291 - 292 . [2] راجع الأسفار ج 6 ص 291 - 292 .