وربما يظهر من بعضهم [1] الميل إلى قول آخر ، وهو : أن معنى إثبات الصفات نفي ما يقابلها ، فمعنى إثبات الحياة والعلم والقدرة مثلا نفي الموت والجهل والعجز . ويظهر من بعضهم [2] أن الصفات الذاتية عين الذات ، لكنها جميعا بمعنى واحد والألفاظ مترادفة . والحق هو القول الأول [3] ، وذلك لما تحقق [4] أن الواجب بالذات علة تامة ينتهي إليه كل موجود ممكن بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط ، بمعنى أن الحقيقة الواجبية هي العلة بعينها ، وتحقق أيضا [5] أن كل كمال وجودي في المعلول فعلته في مقام عليته واجدة له بنحو أعلى وأشرف ، فللواجب بالذات كل كمال وجودي مفروض على أنه وجود صرف لا يخالطه عدم ، وتحقق [6] أن وجوده صرف بسيط واحد بالوحدة الحقة ، فليس في ذاته تعدد جهة ولا تغاير حيثية ، فكل كمال وجودي مفروض فيه عين ذاته وعين الكمال الآخر المفروض له ، فالصفات الذاتية التي للواجب بالذات كثيرة مختلفة مفهوما واحدة عينا ومصداقا ، وهو المطلوب . وقول بعضهم [7] : ( إن علة الايجاد هي إرادة الواجب بالذات دون ذاته المتعالية ) ، كلام لا محصل له ، فإن الإرادة المذكورة عند هذا القائل إن كانت صفة ذاتية هي عين الذات كان إسناد الايجاد إليها عين إسناده إلى الذات المتعالية ، فإسناده إليها ونفيه عن الذات تناقض ظاهر ، وإن كانت صفة فعلية منتزعة من مقام الفعل كان الفعل متقدما عليها ، فكان إسناد إيجاد الفعل إليها قولا بتقدم المعلول
[1] وهو ضرار بن عمرو . راجع مقالات الإسلاميين ج 1 ص 226 ، و ج 2 ص 159 ، والملل والنحل ج 1 ص 90 . [2] نسبه صدر المتألهين إلى كثير من العقلاء المدققين ، راجع الأسفار ج 6 ص 145 . [3] أي قول الحكماء . [4] راجع الفصل الخامس من المرحلة الثامنة . [5] راجع آخر الفصل السادس من هذه المرحلة . [6] راجع الفصل الرابع من المرحلة الرابعة ، والفصل الثالث والفصل الرابع من هذه المرحلة . [7] كما هو ظاهر كلام الأشاعرة .