وقرر صدر المتألهين قدس سره البرهان على وجه آخر ، حيث قال : ( وتقريره أن الوجود - كما مر - حقيقة عينية واحدة بسيطة ، لا اختلاف بين أفرادها لذاتها إلا بالكمال والنقص والشدة والضعف أو بأمور زائدة ، كما في أفراد ماهية نوعية . وغاية كمالها ما لا أتم منه ، وهو الذي لا يكون متعلقا بغيره ، ولا يتصور ما هو أتم منه ، إذ كل ناقص متعلق بغيره مفتقر إلى تمامه . وقد تبين فيما سبق أن التمام قبل النقص ، والفعل قبل القوة ، والوجود قبل العدم ، وبين أيضا أن تمام الشئ هو الشئ وما يفضل عليه . فإذن الوجود إما مستغن عن غيره وإما مفتقر بالذات إلى غيره . والأول هو واجب الوجود ، وهو صرف الوجود الذي لا أتم منه ، ولا يشوبه عدم ولا نقص . والثاني هو ما سواه من أفعاله وآثاره ، ولا قوام لما سواه إلا به ، لما مر أن حقيقة الوجود لا نقص لها وإنما يلحقه النقص لأجل المعلولية ، وذلك لأن المعلول لا يمكن أن يكون في فضيلة الوجود مساويا لعلته . فلو لم يكن الوجود مجعولا ذا قاهر يوجده ويحصله كما يقتضيه لا يتصور أن يكون له نحو من القصور ، لأن حقيقة الوجود - كما علمت - بسيطة لا حد لها ولا تعين إلا محض الفعلية والحصول ، وإلا لكان فيه تركيب أو له ماهية غير الوجودية [1] . وقد مر أيضا أن الوجود إذا كان معلولا كان مجعولا بنفسه جعلا بسيطا وكان ذاته بذاته مفتقرا إلى جاعل وهو متعلق الجوهر والذات بجاعله . فإذن قد ثبت واتضح أن الوجود إما تام الحقيقة واجب الهوية وإما مفتقر الذات إليه متعلق الجوهرية . وعلى أي القسمين يثبت ويتبين أن وجود واجب الوجود غني الهوية عما سواه ، وهذا هو ما أردناه ) [2] - انتهى .
[1] وفي المطبوع : ( غير الموجودية ) . [2] راجع الأسفار ج 6 ص 14 - 16 .