يوجد ويحضر لشئ بالإمكان ، وكل ما كان للمجرد بالإمكان فهو له بالفعل فهو معقول بالفعل . وإذ كان العقل متحدا مع المعقول فهو عقل ، وإذ كانت ذاته موجودة لذاته فهو عاقل لذاته ، فكل مجرد عقل وعاقل ومعقول . وإن شئت فقل : ( إن العقل والعاقل والمعقول مفاهيم ثلاثة منتزعة من وجود واحد ) . والبرهان المذكور آنفا كما يجري في كون كل مجرد عقلا وعاقلا ومعقولا لنفسه يجري في كونه عقلا ومعقولا لغيره . فإن قيل [1] : لازم ذلك أن تكون النفس الإنسانية لتجردها عاقلة لنفسها ولكل مجرد مفروض ، وهو خلاف الضرورة . قلنا [2] : هو كذلك لو كانت النفس المجردة مجردة تجردا تاما ذاتا وفعلا ، لكنها مجردة ذاتا ومادية فعلا ، فهي لتجردها ذاتا تعقل ذاتها بالفعل . وأما تعقلها لغيرها فيتوقف على خروجها من القوة إلى الفعل تدريجا بحسب الاستعدادات المختلفة التي تكتسبها . فلو تجردت تجردا تاما ولم يشغلها تدبير البدن حصلت له جميع التعقلات حصولا بالفعل بالعقل الاجمالي وصارت عقلا مستفادا . وليتنبه أن هذا البيان إنما يجري في الذوات المجردة التي وجودها في نفسها لنفسها . وأما الأعراض التي وجودها في نفسها لغيرها فالعاقل لها الذي يحصل له المعقول موضوعها لا أنفسها . وكذلك الحكم في النسب والروابط التي وجوداتها في غيرها .
[1] هذا الإشكال أورده بعض من عاصر الشيخ الرئيس عليه كما نقل في المباحث المشرقية ج 1 ص 373 والأسفار ج 3 ص 458 . [2] كما أجاب عنه الشيخ الرئيس على ما في المباحث المشرقية ج 1 ص 373 ، والأسفار ج 3 ص 458 - 459 . وناقش فيه صدر المتألهين ثم أجاب عنه بوجه آخر ، راجع الأسفار ج 3 ص 459 - 460 .