ثم عمموا ذلك فاعتبروه في مورد الشرف والفضل والخسة وما يشبه ذلك مما يكون فيه زيادة من المعنويات ، كتقدم العالم على الجاهل ، والشجاع على الجبان ، فباعتبار النوع بآثار كماله مبدأ مثلا يختلف في النسبة إليه العالم والجاهل ، والشجاع والجبان ، ويسميان : ( تقدما وتأخرا بالشرف ) . وانتقلوا أيضا إلى التقدم والتأخر الزمانيين بما أن الجزئين من الزمان كاليوم والأمس يشتركان في حمل قوة الأجزاء اللاحقة ، لكن ما لأحدهما - وهو اليوم - من القوة المحمولة محمولة للآخر - وهو الأمس - ، ولا عكس ، لأن الأمس يحمل قوة اليوم بخلاف اليوم ، فإنه يحمل فعلية نفسه ، والفعلية لا تجامع القوة . ولذا كان الجزءان من الزمان لا يجتمعان في فعلية الوجود . فبين أجزاء الزمان تقدم وتأخر لا يجامع المتقدم منها المتأخر ، بخلاف سائر أقسام التقدم والتأخر . وكذا بين الحوادث التي هي حركات منطبقة على الزمان تقدم وتأخر زماني بتوسط الزمان الذي هو تعينها ، كما أن للجسم الطبيعي الإمتدادات الثلاثة بتوسط الجسم التعليمي الذي هو تعينه . وقد تنبهوا بذلك إلى أن في الوجود أقساما أخر من التقدم والتأخر الحقيقيين ، فاستقرؤها [1] ، فأنهوها - أعم من الاعتبارية والحقيقية - إلى تسعة أقسام [2] :
[1] قال العلامة في كشف المراد ص 58 : ( وهذا الحصر استقرائي لا برهاني ، إذ لم يقم برهان على انحصار التقدم في هذه الأنواع ) . [2] اعلم أن الشيخ الرئيس ذكر للتقدم والتأخر خمسة أقسام ، وتبعه غيره من الحكماء . راجع الفصل الأول من المقالة الرابعة من إلهيات الشفاء ، والنجاة ص 222 ، والتحصيل ص 35 - 36 و ص 467 - 468 . وتبعه الشيخ الإشراقي في المطارحات ص 302 - 303 . ثم المتكلمون زادوا قسما آخر ، وسموه ( التقدم والتأخر الذاتي ) . راجع كشف المراد ص 57 - 58 . ثم السيد الداماد زاد قسما آخر ، وسماه ( التقدم والتأخر بالدهر ) . راجع القبسات ص 3 - 18 . ثم صدر المتألهين زاد قسمين آخرين : ( أحدهما ) : التقدم والتأخر بالحقيقة والمجاز . و ( ثانيهما ) : التقدم والتأخر بالحق . راجع الأسفار ج 3 ص 257 ، والشواهد الربوبية ص 61 .