الطبيعية غاياتها لانقطاع حركاتها ، فليس من شرط كون الطبيعة متوجهة إلى غاية أن تبلغها ، وقد تقدم الكلام في الباطل . وما كان منها من قبيل الغايات التي هي شرور - وهي على نظام دائمي ، فهي أمور خيرها غالب على شرها - فهي غايات بالقصد الثاني ، والغايات بالقصد الأول هي الخيرات الغالبة اللازمة لهذه الشرور ، وتفصيل الكلام في هذا المعنى في بحث القضاء . فمثل الطبيعة في أفعالها التي تنتهي إلى هذه الشرور مثل النجار يريد أن يصنع بابا من خشبة فيأخذ بالنحت والنشر ، فيركب ويصنع ، ولازمه الضروري إضاعة مقدار من الخشبة بالنشر والنحت ، وهي مرادة له بالقصد الثاني بتبع إرادته لصنع الباب . الحجة الثالثة : أن الطبيعة الواحدة تفعل أفعالا مختلفة مثل الحرارة ، فإنها تحل الشمع وتعقد الملح وتسود وجه القصار وتبيض وجه الثوب . وأجيب عنها [1] : بأن الطبيعة الواحدة لا تفعل إلا فعلا واحدا له غاية واحدة ، وأما ترتب آثار مختلفة على فعلها فمن التوابع الضرورية لمقارنة عوامل وموانع متنوعة ومتباينة . فقد تحصل من جميع ما تقدم أن الغايات المترتبة على أفعال الفواعل غايات ذاتية دائمية لعللها وأسبابها الحقيقية . وأن الآثار النادرة التي تسمى إتفاقيات ، غايات بالعرض منسوبة إلى غير أسبابها الحقيقية وهي بعينها دائمية بنسبتها إلى أسبابها الحقيقية . فلا مناص عن إثبات الرابطة الوجودية بينها وبين السبب الفاعلي الحقيقي . ولو جاز لنا أن نشك في ارتباط هذه الغايات بفواعلها مع ما ذكر من دوام الترتب لجاز لنا أن نشك في ارتباط الفعل بالفاعل ، ولهذا أنكر كثير من القائلين بالاتفاق العلة الفاعلية كالغائية وحصروا العلة في العلة المادية ، وقد تقدم الكلام في العلة الفاعلية [2] .
[1] والمجيب أيضا صدر المتألهين في الأسفار ج 2 ص 258 - 259 ، وشرح الهداية الأثيرية ص 244 . [2] في الفصل السادس من هذه المرحلة .